قراءة لبعض قصص الحاج بونيف / محمد داني
قراءة لبعض قصص الحاج بونيف / محمد داني
في العالم القصصي للحاج بونيف( فصل من كتاب عن القصة الجزائرية القصيرة)
1- تمهيد:
إن قراءة المبدع والقاص الحاج بونيف، تستدعي منهجية خاصة، والتي تستند إلى قراءات متنوعة ومتعددة، منها:
- القراءة التعرفية أو الاستثنائية، وهي نوع من القراءة لخلق نوع من الحميمية ما بيننا كقراء ، وما بين نصوص الحاج بونيف.
- قراءة متأنية عميقة، تبئيرية، تساعد على تحديد الحدود السردية والتقنية، والفنية واللغوية للحاج بونيف من خلال قصصه.
ومن هذه القراءة الثالثة ننتقل إلى قراءة رابعة ، هي القراءة التأويلية، والتحليلية، والتفسيرية. هذه القراءات كلها ن الغاية منها تحفيزنا كقراء ، وإثارة شهيتنا للقراءة والوقوف على المسار القصصي لكاتب كبير هو : الحاج بونيف.
فمن هو الحاج بونيف؟.
2- لمحة عن الحاج بونيف:
الحاج بونيف من مواليد قرية الهامل من سنة 1951، ككل أطفال الجزائر آنذاك، نشأ في جو سياسي غير طبيعي، إذ لم تكن الجزائر حرة، وكانت تستعد لخوض حرب طويلة، وهذا الجو جعله كأغلبية البسطاء من الشعب يحيا حياة الفقر..
أدخله أبواه الكُــتاب، فقرأ القرآن الكريم، وحفظه ..وفي سنة 1958 دخل المدرسة الابتدائية في قريته فنال الشهادة الابتدائية.. وانتقل بعدها لإنهاء دراسته المتوسطة والثانوية بالمعهد الإسلامي القاسمي الذي كانت له شهرة وطنية وافريقية.. ومنه تحصل على شهادة الأهلية، واجتاز شهادة البكالوريا سنة 1969، ولم تسمح له ظروفه المادية بمواصلة مشواره الدراسي، فانخرط في سلك التعليم سنة 1970، فعلم في المدرسة الابتدائية لمدة أربع سنوات بمدينة بني سليمان ولاية المدية، ثم التحق بدار المعلمين ببوزريعة بالجزائر العاصمة ليتخرج منها بدرجة الأستاذية ، وعمل كأستاذ لمادة اللغة العربية وآدابها من سنة 1974 إلى سنة 1982 بمدينة عين وسارة بولاية الجلفة، ثم انتدب للجامعة ، ومنها انتقل إلى المركز لوطني لإطارات التربية بابن عكنون بالجزائر العاصمة ليتخرج منه سنة 1984 كمفتش لمادة اللغة العربية وآدابها..
طوال هذا المسار شارك في عدة ملتقيات أدبية وفكرية وتربوية. وله إسهامات فيها، نشرت على صفحات الجرائد والمجلات المحلية،والوطنية.
وتعود محاولاته الأدبية الأولى في كتابة القصة القصيرة إلى منتصف السبعينيات، حيث نشر على صفحات المنبر الأدبي لجريدة الشعب بعض محاولاته التي لقيت تشجيعا من القائمين على هذا الركن الأدبي.
ومن القصص التي نشرها، نذكر:( المعلم الشهيد- مبني على الضم- الرهان- ) . كما نشر في هذه الفترة المتقدمة من حياته بعض المقالات السياسية، والاجتماعية والتربوية على صفحات بعض الجرائد والمجلات، كالشعب، والمجاهد.
وبعد توقف عن النشر، استطاع خلاله جمع الكثير من إنتاجه القصصي، عاد لينشر من جديد. فنشر أكثر من 50 قصة قصيرة، الأغلب منها نشر على صفحات جريدة صوت الأحرار في منبرها الأسبوعي،( أصوات أدبية) التي تتمتع بسمعة وطنية وعربية.
الأديب الحاج بونيف في إحدى الأمسيات الأدبية صيف 2004، بصالون عقيل الثقافي يغلب على قصصه الطابع الاجتماعي والسياسي. ففي الكثير منها رمزية تشد القارئ من دون أن تستهين بذكائه وعبقريته.
والكثير من هذه الأعمال منشورة أيضا على شبكة الإنترنت،وقد تناولها نقاد من مختلف الأقطار ، وأبدوا إعجابهم بالأسلوب والمحتوى والأفكار المطروحة .. ولم يبخلوا بذكر ملاحظاتهم وآرائهم التي رأوها.. وكانت لبعضهم اتصالات مباشرة مع القاص تناولت جوانب متعددة من إبداعاته .. كما كان لبعض إنتاجا ته الأدبية وقفات من بعض النقاد على صفحات الجرائد الوطنية ..
لم يتسن له أن يطبع هذه الأعمال رغم كثرتها، لأسباب منطقية في الكثير من الأحيان. لكنها جمعها على شكل مجموعتين من الحجم المتوسط. نأمل أن ترى النور يوما .
و الحاج يقضي جل وقته بعد فراغه من عمله كمرشد تربوي، في مطالعاته ، وفي الكتابة التي تتنوع بين المقالات .. والقصص القصيرة . ليس راضيا عن الأوضاع في بلده لما تعانيه من سوء في التسيير على جميع الأصعدة، وأكثر ما يتألم له رؤيته للشباب المثقف من خريجي الجامعات يحالون على البطالة الدائمة من يوم تخرجهم، في حين تسند المسؤوليات والمناصب لأصحاب السلطان، واليد الطولى، من الذين امتدت أيديهم إلى الخزانة فنهبوها، وجوعوا البلد وأهله. يرثي لحال الثقافة والمثقفين في البلاد العربية، وبخاصة في الجزائر. إذ صار المثقف من أفقر خلق الله على البسيطة، في حين يرفل الأغنياء من الجهلة في الحرير والذهب.
أما عن الأوضاع السياسية الكبرى في العالم.. فيرى أن مأساة الشعب الفلسطيني ومعاناتهم من الاستعمار الصهيوني الظالم ، سبب في جلب المهالك للشرق الأوسط بأكمله.. وما احتلال العراق إلا دليل صارخ على عنجهية هذا الاحتلال الذي يتدثر بثوب الحرية وحقوق الإنسان، ليحتل الإنسان ويقتله، ويهلك الحرث والنسل، ويأخذ خيرات البلد.
وعن الإرهاب .. يقول: .. إنه نابع من تسلط الأقوياء على رقاب الضعفاء، فمتى انزاح الظلم عادت الحياة تسير سيرها الطبيعي.. ولا يوجد إنسان خلقه الله ليكون إرهابيا.. بل يدفعه إلى هذا السلوك الانتقام من المتكبر الظالم الذي يعتد بقوته.. وقوته فقط..
والعولمة كذبة كبرى وفرية عظمى القصد منها الاستحواذ عن خيرات هذا العالم والهيمنة على الشعوب المستضعفة، وجعلها تسير مكرهة في الطابور منقادة إلى المسلخة، ليسلخها عن قيمها، ومبادئها، ودينها، والقضاء على ثوابتها.
3- عتبات المجموعة القصصية:
إن العتبة seuil التي تحدث عنها دوستويفسكي، تساعدنا على دخول النصوص القصصية للحاج بونيف. ويمكن اعتماد العتبات النصية كنص مواز Paratexte لدراسة خصوصية السرد في قصص الحاج بونيف.
3-1- العناوين:
الشكل القصصي يتسم بخاصية الاندماج التي تحيل على مجموعة من الخصائص الشكلية المفضية إلى الإيجاز والتركيز، والتكثيف، والالتفاف حول حدث أو أحداث، فكرة أو أفكار تكون بنها علاقة تشابه.
ويعرف العنوان في علم العنوان Titrologie، بكونه مجموعة من الدلائل اللسانية، يمكنها أن تثبت في بداية النص من اجل تعيينه، والإشارة إلى مضمونه الإجمالي، ومن اجل جذب الجمهور المقصود.
والعنوان قد يتحول إلى علامة لسانية تشير إلى محتوى النص- كما يقول الدكتور جميل الحمداوي- ومن هنا يمكن الشروع في نمذجة تصنيفية للعناوين وفقا لعلاقتها بالحكي السردي، ولذلك يعتبره الأستاذ الحمداوي الصورة المتكاملة التي يستحضرها المتلقي أثناء التلذذ والتفاعل مع جمالية النص، ومسافاته الاستيطيقية.
والعنوان عتبة النص، وبدايته، وإشارته الأولى. ويقول علي جعفر علاق:<< ليس العنوان الذي يتقدم النص مجرد اسم يدل على العمل الأدبي: يحدد هويته، ويكرس انتماءه لأب ما. لقد صار أبعد من ذلك بكثير، وأوضحت علاقته بالنص بالغة التعقيد.. إنه مدخل إلى عمارة النص، وإضاءة بارعة وغامضة لأبهائه وممراته المتشابكة>>(1).
إن العناوين التي وظفها الكاتب، هي نصوص واصفة للنص. لها قوة النفوذ إلى داخل النصوص القصصية. كما أن لها ساحرية وجمالية تشد القارئ إلى دخول النص والمغامرة فيه.
وعندما نستعرض العناوين- العنوان الرئيس: ( سأعود.. ولكن للأبد)، تتبين لنا بقوة الرؤية التي يستند عليها الكاتب . فالعنوان يتركب من جملتين( سأعود)، ( لكن للأبد)، يربط بينهما رابط هو ( حرف العطف الواو)، والفعل( أعود) مرتبط ب( السين) الدالة على الاستقبال، وان العودة ستكون غدا، في المستقبل. يردفها باستدراك ن وهو أن هذه العودة لن تكون مؤقتة، أو ظرفية، ولكن أبدية، ودائمة.
والعودة يهدف الكاتب إلى هذا الوعي الذي عاد.. الوعي بالذات، وبالواقع، وبمكوناته. إنه نوع من استيقاظ الضمير ، ونوع من اليقظة.
أما العناوين الفرعية، وهي عناوين القصص القصيرة، فنجدها كالتالي:
<< غفوا... الرقم خطأ- الوصية- المعطف- جدارية- الفيزا- خجل- تمرد ظل- سراب- هروب عروسة- صديقي الرئيس- الغريب- عتمة- وعادت الذاكرة- سأعود ولكن للأبد- صفاء الروح- الصلصال- بوبليشا- الذباب- عطرالخلود- صراع السندبادين- جزيرة الأيتام>>.
ومن خلال هذه العناوين ، نجد 12 عنوانا جاء مفردا، وغير مركب. و 10 من العناوين جاءت مركبة. وهذا مقصود من الكاتب.. وقد نوع من خلال هذه الأحداث في مستويات السرد، اعتمادا على الكاتب/ الراوي الواعي بكل شيء، والواقف على كل الجزئيات والمتحكم فيها.
3-2- المتن الحكائي في المجموعة القصصية:
إن الطابع المحكي فيها هو محكي الحدث Récit de l’action أو Récit d’évènement، حيث تتعدد الأحداث وتتنوع بتنوع القصص. ويمكن تلخيص هذا الحدث كالتالي:
سأعود... ولكن للأبد:
عندما اخترت مجالسة الأديب الكبير، والقاص الجزائري الحاج بونيف، جمعت ثلة من قصصه القصيرة لما فيها من تعبير جيد وصور مشرقة، وفنية في القص.. و احترت في إعطائها عنوانا ، وكان الاختيار على قصة منها، هي : ( سأعود... ولكن للأبد).
وهذه المجموعة تبين تقنية القص عند الحاج بونيف، وأسلوبه القصصي. وقد تبين انه قاص بارع ، يشع الاجتماعي والتربوي والقيمي والنقدي من قصصه.
إن قصصه ليست من نوع نصوص القراءة lisible كما يسميها رولان بارث. وإنها هي قصص ذات شفرات خاصة، تتطلب فكرا وقراءة ما وراء السطور وما بينها، أي أنها من نوع النصوص scriptables، التي تتطلب عمل الفكر، ومتابعة من نوع خاص.
و المجموعة تتكون من 21 قصة، وهي تشكل ارتباطا علائقيا بالبنيات السردية المتعارف عليها. تتحاور معها وبينها، ليكون الخطاب القصصي والسردي ذا إشعاع دلالي وجمالي وفني، تؤثر على نضوجه فن القصة القصيرة، عند كاتبنا الحاج بونيف.
إن ارتباط الكاتب بواقعه، ومشاكله، ومصير بلده، يعطي لكتاباته نوعا من الهوية، ونوعا من الفرادة، تجعلان منه كاتبا جزائريا وعربيا بامتياز.
إنه كاتب مثقف، واع بما له وما عليه... الشيء الذي جعله يقف في وجه اليومي، وتشعيباته، ويناضل على جميع المستويات... إن خطابه القصصي يستمد قوته من المشاهد اليومي، ومن الألم، والإحباط الذي تعانيه البلد.
إن هذه النصوص التي اخترناها للقراءة، ومحاورة الحاج بونيف من خلالها، هي ذاكرة ثقافية، نطل من خلالها على عالم الحاج، والواقع الذي استلهم منه هذه النماذج القصصية.
إن للكاتب الحاج بونيف خصوصيات المبصر، والناقد والمدين للواقع المعيش.
4- هل هي قصص متميزة أم أنها من المألوف المعتاد؟:
إن قصص الحاج بونيف جزء من القصة الجزائرية التي عاشت مخاضات، وعايشت التحولات التاريخية، والسياسية، والتي مكنته من التدرج في الحكي والقص، إلى أن اكتسب ناصية فن القصة القصيرة، وأصبحت وسيلته لتعرية هذا الواقع بعدما اكتشف أشياء وأشياء.
وهذا يدفعنا إلى اختراق نصوصه لمعرفة من يحدثنا عن هذا الواقع المريض؟ ولماذا؟. وإلى من يوجه خطابه القصصي هذا ؟.
إن ذاتية الكاتب الساردة، تجعلنا نتجاوز كل المتناقضات الخطابية، لنقف جازمين أن الكاتب هو هذه الذات الواعية التي تتلبس الشخوص، وتدفعهم إلى نقد هذا الواقع، والتأثير فيه، والتأثر به.
إن الكاتب الحاج بونيف نراه وراء شخوصه البدائل، يتكلم من ورائها ليطرح قيمه، وفكره، لينتج هذه اللغة التي نجد فيها اختزالا للواقع، وإزاحة له. فعبر هذه القصص الواحدة والعشرين21، نجد الكاتب يؤسس لوعي تناصي، وسردية قل نظيرها. الشيء الذي يمكننا من إعادة تشكيل للبنية الحكائية، والتي تتكون من لوحات يمكن حصرها كالتالي:
1- الوعي والشرخ النفسي:
في القصة الأولى يتم تقديم الشخصية عن طريق الراوي/ الكاتب، الذي يرى ولا يَرى طيلة سير القصة إلى الأمام.
إن كل ما يتعلق بشخصية يصلنا عن طريق هذا الراوي/ الكاتب، حتى يتشكل الوعي لديه، ونتعرف عليه من عنده من خلال وصف لهذه الشخصية... وصف نفسي، وفيزيولوجي وسلوكي، والتي حددت لنا الشخصية المهتزة والمنهزمة، والحائرة.
إن الشخصية التي يحدثنا عنها الراوي في (عفوا.... الرقم خطأ)، شخصية تعاني شرخا كون لها نوعا من انفصام الشخصية. شخصية بوجهها الذي جاء من الجنوب، ويحن إليه. وشخصية ذات الوجه الجديد الذي تقف أمامه المدنية والحضارة والمدينة، والتي وصلها بعد رحلة شاقة وطويلة... والاستقرار في جنباتها: << بشرته أظهرت غربته... استقر في أحد أحيائها... الهدوء يبسط أجنحته على المكان، تنقل في أوصالها وبعض مفاصلها>>، بأنه يجد نفسه في هذه المدينة الحضارة... ويجد شخصيته.
وعندما نتغيى تأويل هذه الرؤية الخفية، والخلفية، وحديث الراوي من وراء الشخصية،نجد أن وعي وإدراك الراوي/ الكاتب و إيديولوجيته الرؤيوية.
فهو من خلال هذا الوصف التسجيلي الذي يفتتح به القصة، يعمل على بسط نفسية الشخصية وحالتها ونزوعها ما بين الانتقال من الجنوب إلى الشمال حيث المدنية والحضارة.. غنها طريقة للتعبير عن التمزق، والبحث عن الهوية.
2- التأصيل والتجذر وبناء المستقبل:
تنفتح هذه الرؤيا على صرخة الشخصية... الصرخة/ التحدي، والتي تعتبر بؤرة قصة( الوصية): << تريدون اقتلاعنا من جذورنا، فلتعلموا أنها متأصلة في الأعماق>>..فغرس الشيخ الفسائل دليل على البناء المستمر رغم الهدم الذي يمارس علانية.
إن الشخصية تضحي بنفسها ليعيش الأمل، وينمو المستقبل.. يفضل الموت كي ينهي الغرس، لأنه هو الاستمرارية.. هو الأمل.. هو الحياة الجديدة.. وقد استعان الراوي بالحوار ليفشل خطة المحو الممارس، ويقاوم الموت من اجل الحياة.
وتنتهي الرؤية بحكمة يطلقها الشيخ ويأمر بها، وهي وصية الكاتب/ الراوي عن طريق هذه الشخصية الشيخ: << إنها ما يشدنا إلى هذه الأرض، وإنها الشاهد للأجيال المتعاقبة على أنهم غرسوا، وها نحن أولاء نغرس، فاحرصوا على الغرس، ولا تخافوا طائراتهم، فإنها لن تستطيع اقتلاع الجذور>>(الوصية).
3- النعي الكاذب:
تتميز هذه الرؤية بانسيابتها، وحواراتها المتنوعة الأصوات. ومن خلالها نعرف التقلبات التي عرفها سير الأحداث، وتنوع المواقف. نرى فيها التسرع في أخذ القرارات، كما نجد فيها استجلاء الرؤيا وانكشاف الحقيقة.
4- الجدار/ الرحيل:
تبتدئ هذه الرؤية بالحديث عن الغياب، وعن الفيزا، لتعبير عن الهروب، وعن الشرخ الذي قسم النفس أشلاء، وجعل فيها فراغا.. كما انه دليل على الانحسارية، والنكوص الذي يسببه الحاجز الجدار.
إن حدة التوتر، وتوهج الحدث الدرامي يزيدها الجدال، والحوار ما بين الشخصية والجدار.. بين الذات والمطلق، بين التناقض المطلق/ المقيد، الفقدان/ الضياع... إنه مشهد ينبني عليه الخطاب القصصي كله.
5- الحلم وصدمة الواقع:
تنفتح رؤية( الفيزا) عن عالم النيت، وكيف تبنى فيه الأحلام الكاذبة، والمشاهد الخداعة. فننتقل عبر الحلم، وعبر الصورة المثالية/ الخيالية... فنقف على كيفية تشكل الفراغ ، والبطالة والفقر في هذه العوالم الخيالية، والتي تصطدم بالواقع.. واقع مرير، وهو أن خواء النفس والروح وفراغهما صعب جدا... يجعلنا نشعر بغربة دائمة.
6- الغيرة واضطراب السلوك:
تبتدئ هذه الرؤية( خجل) بحوار ثنائي بين الشخصيتين الرئيسيتين، من خلاله نتبين الواقع المزري للمرأة الموظفة، وتشتتها ما بين التوليف بين واجباتها وما بين الغيرة، والشك.
صراع نفسي بين الهوة التي تعانيها الموظفة في سلوكياتها، ونفسيتها، والتي تشكل لها اضطرابات نفسية، وربما يؤدي إلى إفساد علاقاتها الإنسانية كلها.
7- الفنطازيا والتجنيح إلى ما وراء الحلم:
إن( تمرد ظل) رؤية تبين الحميمية التي بين الجسد وظله أو خياله. حميمية أحيانا تذهب إلى حد المنافرة والمناقضة.. إنه ترابط أبدي تؤسسه القيم، والمواقف، والاتجاهات.
8- الوهم/ المجهول ومرارة الواقع:
تعج هذه الرؤية( سراب) بالمفارقات، والتناقضات، حيث تدفع الحاجة والفاقة إلى البحث عن الرزق أينما كان... وتبدأ الرحلة إلى عالم مجهول لا متناهي، تبدأ فيه الرحلة ولا تنتهي.
9- تيمة الشمال/ الجنوب وتضارب القيم:
تنفتح هذه الرؤية في ( هروب عروسة) على عودة إلى الوطن الأم، وقد حمل الراوي/ الشخصية بكلبة رافقته السفر ليأخذها إلى البلد حيث طالها الإهمال، والتهميش، لتهرب في الأخير إلى مكان غير معروف..
ومن خلال تمفصلات هذه القصة، يبين لنا الكاتب تضارب القيم وكيف يتدخل المجتمع وعرفه في هذه القيم. كما يبين لنا نظرة الشمال والجنوب للحيوان، وكيف يعامل الحيوان والإنسان في كالتا المنطقتين.
10- وهم المساواة والنقد الساخر:
في هذه الرؤية( صديقي الرئيس)، تستند على حلم، ووهم قلما يتحقق. إذ الراوي يحكي عن تفاصيل زيارة لا كالمعتاد.. حيث يجد نفسه وجها لوجه أمام الرئيس. فيجلس إليه،ويشرب معه القهوة ويحادثه في بعض شؤون البلد،وفي بعض الأمور السياسية.
هذه الرؤية لا تخلو من نقد ساخر ولاذع في نفس الوقت. أي أن هذا ما يجب أن يكون.. وهو أن ينزل الحكام والمسؤولون إلى الشارع كما كان يفعل الخلفاء الراشدون، ليقفوا على أحوال الرعية، ويستمعوا للمواطن والوقوف على همومه ومشاكله. وهذا ما يحاول طرحه الكاتب.. وهو نزول المسؤولين من بروجهم العاجية إلى حيث يوجد عامة الشعب. كما يرسل رسالة مفادها: لم كل هذه البروتوكولات.. أليس هؤلاء الحكام من الشعب الذي لا يفكر إلا في خبزه وعيشه اليومي؟..
11- الزمان وأثره النفسي على الذات:
تيمة الزمان في ( الغريبة) حيث التخطي لمرحلة إلى مرحلة تصدم الذات لتغيير الذي يحصل لها... سفر عبر النفس المضطربة إلى رحلة نهائية. كيف يخلق الشيب زعزعة في النفس، ويبدأ الصراع، وذلك من خلال الأسئلة: كيف يمكن التخلص من الشيب؟.. وهنا تبدأ المحاولات لإيقاف الزمن. ولكن لا احد يستطيع ذلك. ومن هنا ينبهنا الكاتب عبر الشخوص والحدث إلى مبدأ الجبرية، وهو أن الإنسان مجبر في هذا الكون، لا يمكنه التصدي للزمان وتقلباته.
12- التسامح وعلاقة الآخر:
تنفتح الرؤية في ( عتمة) على الفهم الخاطئ، والتهم الباطلة التي يقذف بها شخص ما. فتحوله في رمشة عين إلى عدو وقاتل يخشى جانبه. فالكاتب/ الراوي يذكرنا بأمر خطير مس الدول الإسلامية بعد أحداث 11 شتمبر، وهو إلصاق تهمة الإرهاب بالمسلمين والعرب أينما كانوا.. والقراءة الخاطئة التي تقرأ بها أفعالهم وحركاتهم وسلوكاتهم... إنها دعوة خفية إلى نبذ العنصرية والظلم، ونشر التسامح، والتعايش واستخدام العقل والمنطق:<< وفي الغد تصدر الخبر الصحف، معلنا اختطاف أمريكي أسود جاء لاستطلاع أحوال المهاجرين، وبعد عراكه مع الخاطفين، اندلعت النيران وماتوا جميعا... والتحقيقات جارية !!..>>.
13- يقظة الضمير، وعودة الوعي الجمعي:
الرؤية في ( وعادت الذاكرة) رؤية تهتم بالصراع العربي الإسرائيلي، وتذكر بأحقية الشعب الفلسطيني في المقاومة والجهاد، والدفاع عن النفس، وحقها في استرجاع أرضها السليبة.
كما نلحظ الإشارة إلى وعي ضمير الأمة بالخطر الذي يهددها وهو محاولة القوى الأمبريالية مسح الذاكرة العربية من كل قضاياها المقدسة. .. وهي إشارة واضحة إلى الانتفاضة الأولى والثانية. وما اشتعال انتفاضة أطفال الحجارة إلا تذكير بالقضية التي يكاد الكثير نسيانها... إنها الصحوة/ السوط الذي يلهب ظهرنا ، ويدعونا إلى عدم التفريط في قضايانا الوطنية والعربية.
14- الرجوع والعودة ، والهوية والأصل:
في ( سأعود... ولكن للأبد) يشتغل الكاتب على نفس التيمة السابقة، وهي الصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي، حيث يركز من خلال السرد والحدث على مشكل اللاجئين، والاستيطان والترحيل، والتهجير الممنهج، ومعاناة الفلسطيني للعودة من هذا التشتت. فالعودة تعني له الأرض والهوية، والاستقرار، والأمن.
كما يرسل رسالة، وهي: أن الأمر الآن يستدعي الحوار، والتعايش بعيدا عن الحرب والمعارك، وإراقة الدماء: << وقف أمام الباب الرئيسي للبيت. مد يده للجرس، وانتظر. وفتح الباب شيخ تجاوز الستين من عمره. نحيف الجسم(...) سلم عليه وقدم نفسه بعزة وهمة عالية: اسمي فايز. أنا فلسطيني.. وهذه الدار داري... أخرجت منها وعائلتي، وأجبرنا على الرحيل. أنا الآن في بيروت لاجئ... ولكنني سأعود... جئت اليوم لأتفقد بيتي وأرضي... هل تأذن لي بالدخول؟>>.
15- الضمير والغربة النفسية:
إن الرؤيا في ( صفاء الروح) تبين الصدمة التي تعانيها الذات أمام صوت الضمير، وهل يمكن لنا أن نعيش يدون ضمير.
إن هذا الوازع الأخلاقي أو الضمير إذا ما انعدم تغيرت سلوكياتنا واعوجت. ولذا هو المراقب والمقوم لهذا الاعوجاج.
16- صراع الثنائيات: الخير/ الشر، والحق/ الباطل:
يلعب الكاتب/ الراوي في ( الصلصال) على تيمة التناقض، والتقابل، حيث يقابل بين الضدين ليبين للقارئ فداحة الفكرة وخطورة الحدث..فيطابق بين الحق والباطل، وبين الخير والشر، وبين الفضيلة والرذيلة، مكونا بذلك ثنائيات، وأزواج تدل على الصراع القائم في المجتمع، وفي الذات الإنسانية..
17- السلطة والنفوذ والقوة والرمز:
في هذه الرؤيا( الذباب) يرمي الكاتب/ الراوي بثقله في هذا الحدث، حيث يبين كيف يعامل العربي المسلم والإفريقي في المطارات الغربية بعد أحداث 11 شتمبر.
النظرة إليه على انه وجه إرهاب.. ثم من خلال هذه التيمة الشمال/ الجنوب يطرح مجموعة من القضايا، وهي الاهتمام الأمريكي بإفريقيا السوداء، وبشمالها( المغرب العربي) لما تختزنه من ثورات.
إن الكاتب/ الراوي يصدمنا بحقيقة مرة، هو أن إنسانية الإنسان، أو الإنسان كإنسان لم يعد ينظر إليه كما كان سابقا... بل ينظر إليه كمستهلك.. كسوق.. يجب أن تستنزف ثرواته، وتسلب إرادته... ويصبح تابعا ومواليا..
18- الصراع العربي/ الإسرائيلي:
في وحدة( عطر الخلود) يركز الراوي/ الكاتب على تيمة الصراع العربي الإسرائيلي، وبالذات الغزو الإسرائيلي للجنوب اللبناني، وهزيمتهم في هذا السباق نحو تقسيم المنطقة... سباق غير متكافئ عرف كيف يخرج منه اللبنانيون منتصرين ...
19- حرب الخليج:
في ( صراع السندبادين) يهتم الكاتب/ الراوي بالصراع العربي/ الأمريكي الامبريالي بالخليج العربي..وبالصراع العراقي / الإيراني... فيصور لنا التكالب على بلاد الرافدين، وتأجج سمائها وأرضها بجحافل الطامعين في نهب هذه الأرض.. وفي خضم الصراع يصطدم السندبادان المغامران البري والبحري...
20- الفقر/ الغنى، واستنزاف الثروات:
في هذه الرؤيا( جزيرة الأيتام)، يلعب الراوي/ الكاتب على المقارنة بين فئات المجتمع، ويندد بالطبقية فيه كما نددت به الاشتراكية التقدمية، ويبين كيف تستغل فئة ثروات البلاد، والأغلبية الساحقة من الشعب تموت.
كما انه ينبهنا إلى العلاقة شمال/ جنوب، حيث الشمال الغني والجنوب الفقير. وهذا ذكاء من الكاتب/ الراوي الذي يشير بطريقة غير مباشرة إلى علاقة التأثير والتأثر الحاصلة بين الطرفين، حيث تؤثر الإغراءات الحياتية الموجودة في الشمال على سكان الجنوب. حتى أن بعض المظاهر السلوكية، والحقوقية تكون دافعا وإغراء ومثيرا للهجرة إلى الشمال.
ولتبيان المفارقات بين الشمال والجنوب، يورد الكاتب/ الراوي كيفية معاملة الشمال للحيوان، والموازنة بين هذا الحيوان الشمالي والإنسان الجنوبي، والتي تجعل الإنسان الجنوبي يتمنى لو كان حيوانا في الشمال...
هذه الموازنات والمقارنات التي تقوم على إيديولوجيات خطيرة، لا يهمها إلا النفعية والمصالح.
ومن خلال هذه الرؤى مجتمعة، يمكن أن نحدد الأفكار التي انطوت عليها هذه المجموعة القصصية. فنجدها لا تتجاوز خمسا من التيمات يؤثث عليها فضاءه القصصي، ويتخذها حاملا فنيا لها. وهي:
1- الصراع النفسي والهوية.
2- الرمز والسلطة والواقع.
3- الثنائيات( شمال/ جنوب- غنى/فقر- هدم/ بناء- أو الزوجيات.
4- التسجيلية والتغيرات التي عرفها العالم.
5- القضية الفلسطينية أو الصراع العربي/ الإسرائيلي.
إن قصص الحاج بونيف واقعية، ومصدرها واقعي، ولكنها ليست واقعية صرفة:<< ومن المعروف أن التركيز على الدلالة الاجتماعية للأدب كان من أهدافه تحديد وظيفة له وحمل الأدباء على اتخاذه سلاحا في خدمة ما يلتزمون به من مبادئ. فضلا عن أن هذه المبادئ كثيرا ما تتحدد مسبقا ليصبح العمل الأدبي مجرد قالب تصب فيه تلك المبادئ والتوجيهات>>(2).
ونجد سحرا في قصصه ينم عن جهد إبداعي ذاتي. فهو : << لا يكتب إيديولوجيا، بل يعكس بشكل لا مباشر جملة من التناقضات الاجتماعية تحت تأثير إيديولوجيا معينة>>(3). وحرصه على الدلالة الواقعية الاجتماعية لا تقتل جمالية النص، ما دام التخييل الأدبي يساهم بدوره في العملية الإبداعية.
5- الزمان في قصص الحاج بونيف:
إن السرد القصصي يتنامى، ويتصاعد وفق انسياب زمني معين. يأخذ القصة إلى النهاية التي يتصورها الكاتب. إلا أن هذا لا يكون دائما في البناء القصصي. فالأحداث قد تبتعد كثيرا أو قليلا عن سياق السرد. فقد تعود إلى الوراء لاسترجاع بعض الأحداث السابقة، أو تتجه إلى الأمام لاستشراف ما هو آت من الأحداث.
ويرى الباحث حسن بحراوي : << أننا في كلتا الحالتين نكون أمام مفارقة زمنية توقف استرسال الحكي المتنامي، وتفسح المجال أمام نوع من الذهاب والغياب على محور سرد استذكاري Récit analeptique
يتشكل من مقاطع استرجاعية تحيلنا على أحداث تخرج عن حاضر النص، وتارة نكون أمام سرد استشرافي Récit proleptique يعرض الأحداث التي لم يطلها التحقق بعد، أي مجرد تطلعات سابقة لأوانها(4).
وعندما نذكر الزمان، ومحدداتهن نجده في الخطاب الحكائي ينقسم إلى زمن القصة، وزمن الخطاب، وزمن النص، وحركتي السرد في علاقتهما بزاوية السرد. والمقصود بحركتي السرد هما: السرد في الصيرورة الزمنية، وفي وتيرته من حيث البطء والسرعة. أما المقصود بزاوية السرد فهي وجهة نظر الراوي.(5)
وهذه القص القصيرة/ المتن تتشكل من بداية ومقاطع( جسد) و نهاية. وهي تبتدئ مقدماتها في غالبيتها بفعل ماض، وتنتهي به:
1- القصة: المعطف
- البداية: راح في سباق عميق.
- النهاية: لم تحتمل الزوجة الصدمة فانهارت في البيت. أسرعوا بها ولكنها فارقت في المشفى.
2- القصة: الفيزا
- البداية: أدمت الجلوس إلى كرسي النيت.
- النهاية:هربت الابتسامة من كريم....
3- القصة: صديقي الرئيس.
- البداية: هبت نسمات عليلات.
- النهاية: ولعنت المردود الذي فعل فعلته وقلدني رتبة صديق الرئيس.
4- القصة:سأعود.. ولكن للأبد.
- البداية: وصلت قدمنا أخيرا أرض حيفا
- النهاية: شعر اليهوديان بالغربة وحدثا بعضهما وأقنعا بعضهما أن لا بد من الرحيل.
5- القصة: الذباب.
- البداية: حين عزمت على العودة وجدت ما يشدني
- النهاية: أشرت عليهم بعدم فتح مناقصات لان المنافسة ستغرق سوقهم.
وهناك قصص تبدأ بنفي للزمان الحاضر واستغراق في الزمان الماضي، وتنتهي بزمن ماض، مثل:
1- القصة: صفاء الروح.
- البداية: لم يأب مفارقتي.
- النهاية: اشترط علي ألا أغضب... فوافقت.
2- القصة: جزيرة الأيتام.
- البداية: لم نكن على نفس الأنهج نسير ونتسوق.
- النهاية: وعدت إلى جزيرتي أحمل ذكريات سيئة.
وإذا أردنا استنطاق هذا الزمن الماضي عن طريق الإحصاء، سنجد أن الفعل الماضي يشكل نسبة كبيرة. والجدول التالي يوضح ذلك:
القصة
عدد الفعل الماضي
النسبة %
عدد الفعل المضارع
النسبة%
عفوا الرقم خطأ
49
55.05
40
44.95
الوصية
37
28.24
94
71.76
المعطف
51
57.30
38
43.30
جدارية
47
44.33
59
55.67
الفيزا
24
40.67
35
51.33
خجل
32
59.25
22
40.75
تمرد ظل
53
56.25
40
43.02
سراب
46
58.22
33
41.78
هروب عروسة
117
53.12
103
46.82
صديقي الرئيس
81
69.82
35
30.18
الغريبة
58
61.70
36
38.30
عتمة
39
39.79
59
60.21
وعادت الذاكرة
29
27.61
76
72.39
سأعود ولكن للأبد
80
76.92
24
23.08
صفاء الروح
71
58.19
51
41.81
الصلصال
68
59.64
46
40.36
بوبليشا
60
58.25
43
41.75
الذباب
55
47.00
62
53.00
عطر الخلود
21
33.33
42
66.67
صراع السندبادين
33
37.07
56
62.93
جزيرة الأيتام
67
47.18
75
52.82
المجموع
55.91
44.09
هكذا نجد أن الفعل الماضي هو الفعل الخاص بالسرد، ومرجعيته تعود إلى تاريخية السرد الشفوي منذ القديم. ف<< عامة النصوص السردية التقليدية تقع في الماضي إذا كان الراوية في مألوف الأطوار إنما يحكي ما وقع للشخصية أو للشخصيات في الزمن الماضي أساسا، وذلك على الرغم من أن بعض الأحداث قد يقع في الحاضر، وبعضها الآخر ربما سيقع في المستقبل>>(6).
وإذا ما تلاشى الفعل الماضي وقل عدده في بعض القصص، وعلت نسبة الفعل المضارع، فإنما هذا يتطلبه زمن الحكي المرتبط بالسرد، وحبكته، وبنيته. وهذا التلاشي للزمن الماضي شكلي فقط. لان الإطار العام الذي يعرض فيه الفعل المضارع هو إطار ماضوي.. وان الأسلوب المعتمد على الحوار والتداعي يتطلب هذا التلاشي للماضي، ولكن عندما نجد مثل هذه الجمل موظفة( كانت الطائرات تظهر- لم يكن الشيخ يلقي بالا- لم تكن تصغي- لم أتعبك- لم تطق أن تحدثني- لم تبحث عنك- راح صاحبي يوصيني..) فإننا نوقن بأن الزمان الموظف ، والذي تدل صياغته على المضارعة، فإن دلالته السياقية تدل على الماضوية... والنماذج التي أوردناها تدل على انعدامية الحاضر الملغى، وان الماضي هو المقصود بالسرد خاصة إذا عرفنا أن زمان القصص وزمن الخطاب متوازيان. وبالتالي يتعطل الزمن السردي.
والحاج بونيف استعمل في بعض قصصه القصيرة بعض الكلمات للدلالة على زمن الاستقبال، مثل( سوف) و( السين): << ستنبت- سيجعل- سيرده- ستكون- سيتبعه- ستكونين- ستقبضين- سألتحق- ستغادر- سنشتاق- ستحمل- سأنقلها- سأريك- سوف أنسيكهما- سأقول- سأكون- سيحضر- سأعود>>. والذي يمثل الانتقال عبر اللحظة المكانية والزمانية لفعل الوعي الصادر عن الشخصية/ الكاتب.
وفكرة الزمان تتبدى حقيقة من خلال إضمارها في روح الحاضر، حتى عندما يتحدث الكاتب أحيانا بصيغة المضارع التي يوظفها في خدمة الماضي.
وهذه الأشكال الزمنية، هي نوع من كسر المألوف، وكسر مألوفية المروي في القصص، عن طريق كسر مألوفية التعبير، الشيء الذي يطيل إدراك القارئ لقصص الحاج بونيف، يعيش عملية الصنعة الخيالية النصوص في أولها وآخرها.
وهذا التنوع الزماني يساهم كذلك في إسراع معدل انسياب الحدث القصصي(7).
6- الفضاء المكاني( أو الفضاء الجغرافي) في قصص الحاج بونيف:
يعتبر المكان لبنة هامة في البناء الفني القصصي، حيث يساعدنا امتداده وتوسعه، وتنوعه على فهم الشخوص التي يؤثث بها الكاتب هذا الفضاء القصصي. ويساعدنا أيضا على فهم وضعها الاجتماعي، وتكوينها السياسي والإيديولوجي المعرفي(8).
فالفضاء المكاني:<< لا يتشكل إلا غبر رؤية ما، بل ويمكن القول بأن الحديث عن المكان(...) هو حديث محور عن رؤية ذلك المكان وزاوية النظر التي يتخذها الراوي عند مباشرته له. فالرؤية التي ستقودنا نحو معرفة المكان وتملكه من حيث هو صورة تنعكس في ذهن الراوي، ويدركها وعيه قبل أن يعرضها علينا في خطابه>>(9).
ويرى احد الباحثين:<< أن المكان هو الذي يؤسس الحكي لأنه يجعل القصة المتخيلة، ذات مظهر مماثل لمظهر الحقيقة>>(10).
وقد ربط الناقد( تاديي) بين الفضاء المكاني والنص، و<< رأى أن النص هو فضاء،وان الفضاء هو المكان الوحيد الذي تلتقي فيه كل العلامات والرموز الدالة، وهو الذي يساهم في توليد الأحداث وتقديمها للقارئ/ المتلقي>>(11).
والحاج بونيف يقدم إشارات جغرافية،والتي تكون وسيلة من وسائل تحريك خيال المتلقي لإدراك منهجية المكان المراد عرضها داخل العمل القصصي.
وهكذا نرى نوعا من التجاذب، والتلاؤم بين الشخصية الراوي والمكان، وتنوعاته الدلالية، حيث يتقلب المكان في هذا التجاذب ما بين المغلق والمفتوح، << المغلق لا تكون العلاقات محدودة والشخوص كذلك. كما نوعية الهموم المشتركة، كمثال البيت، في حين أن المفتوح تتوسع فيه دائرة الروابط الاجتماعية، وتتعدد بداخله الاهتمامات والقضايا والمصائر الإنسانية>>(12).
والكاتب يوظف نوعين من الفضاء المكاني:
- الفضاء المكاني المباشر.
- الفضاء المكاني غير المباشر.
كما يتنوع هذا الفضاء بين المنفتح والمنغلق.
إن طريقة تقديم الفضاء تعكس وضعية وحالة الشاغل لهذا الفضاء، وذلك عن طريق:<<قيم رمزية مرتبطة سواء بالمناظر الطبيعية التي تتقدم لنظرة الراوي، أو بشخوصه أو بأماكن الإقامة: المنزل، الغرفة، الكهف، الهري، السجن، القبر، أماكن مغلقة أو مفتوحة، ضيقة أو رحبة، مركزية أو هامشية... تعارضات تطلق العنان لمتخيل الكاتب والقارئ>>(13).
ويمكن أن تكون القصة قصة مكان، حيث يلعب فيها دورا أساسيا، ومن هنا << كان فضاء" العتبة"le seuil عند دوستويفسكي، كما لاحظ ذلك باختين، يعكس نفسية شخوص الرواية القلقة: فهو يتمثل في المدخل والممر والدرج والأبواب المفتوحة على الشارع والحانات، والأكواخ، والقناطر، والخنادق مما له ارتباط وثيق بزمن الأزمة>>(14).
ويمكن للفضاء أن يكون حاملا لدلالة جديدة تنبع من صميم التحولات التي يعرفها المجتمع، وفي فضاءاته المكانية، نجد الحاج بونيف يصور السلوك ، أي : <<كان يلجأ إلى التصوير السردي>>(15).
7- الفضاء المكاني المباشر:
عندما نستجلي القصص القصيرة التي أمامنا نجد إشارات واضحة لهذا المكان، والتي هي على الشكل التالي:<< ضفتي النهر- الأجزاء الجنوبية للمعمورة- الأرض- أحيائها- المكان- الأحراش- الأودية- المستنقعات- الروابي- الفلوات- قمم الجبال- المغارات- الكهوف- الدهاليز- كنوز- الشواطئ- لجج المحيطات والبحار- الأجواء الفسيحة- عقر داره- الكنائس- المعابد- المئذنة- الناطحات- البالونات- الخواء- الأعماق- الأرض- الباب....>>.
8- البنية اللغوية في قصص الحاج بونيف:
يتميز الخطاب القصصي عند الكاتب الحاج بونيف بتعدد أساليبه، وأحادية لغته،وهو يدمج لغة الفئات الاجتماعية الأخرى تحت لغة واحدة ليعطيها نوعا من التعبيرية المركزية،والمتحدة الأصول، ليوحد هذا التعدد اللساني في صورة واحدة، تبين شساعة الوعي الفني في القصص القصيرة، والتعايش الصلب المتنوع.
فالكاتب يعيد إنتاج خطاب بكيفية فصيحة رصينة لا يخلو من أدبية، يعكس به رؤيته للعالم، ولزواياه المختلفة.
ورغم ذلك فهو أحيانا يعدد لغاته، مكونا منها نصا متماسكا كنسيج موسيقي بوليفوني يقوم على:<< تقابل مجموعة من الألحان المتزامنة والمتشابكة والمتعارضة، لكل لحن منها كيانه الإيقاعي والنغمي المميز له، وبالرغم من هذا التشابك والتعارض، فهي تكون فيما بينها وحدة فنية مترابطة>>(16).
ويستحضر الخطاب القصصي في مجموعة( سأعود غدا... ولكن للأبد)، عددا من اللغات والأساليب. وأول مظاهر التعدد اللغوي في المجموعة، يتمثل في العتاقة اللغوية l’archaïsme linguistique:<< في استحضار لأساليب وألفاظ وتراكيب عتيقة، ومحاورة أجناس أدبية وغير أدبية قديمة، كالملحمة، والحكاية الشعبية، والمقامة، والأمثال، والحكم، ولغة الشعراء والمتصوفين، ولغة الكتب الدينية والتاريخية، والجغرافية، وكتب الرحلات بالإضافة إلى لغة التقارير الصحفية، ولغة الجدل السياسي، ومناقشات المثقفين، ولغة الشعب الدارجة واللغة العسكرية>>(17).
فعندما نلاحظ هذه الجملة<< استوى الزمن عندها فلا الليل للسبات ن ولا النهار للمعاش.. الشمس اختفت والكواكب اندثرت>>، فإننا نقف أولا على تناص عن طريق تركيب لغتها مع آيتين كريمتين( وجعلنا النهار معاشا والليل سباتا)و( إذا الشمس كورت، وإذا النجوم انكدرت، وإذا الجبال سيرت، وإذا العشار عطلت وإذا الوحوش حشرت..>>، ويتبين لنا امتزاج لغتين داخل هذا الملفوظ: لغة النص القرآني، مع اللغة العادية بالإضافة إلى ظهور موقف التأكيد، والجزم والقطع.
وتأتي محاكاة الكاتب الحاج بونيف للنصوص القرآنية على أشكال مختلفة. فهي مرة تأتي على شكل نماذج تذكرنا بنصوص قرآنية، كأن يورد آية كاملة أو بعض كلماتها، كما في قوله:<< وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى>> أو بعض كلماتها: << جاء الحق وزهق الباطل>>.
وتارة أخرى يأتي بصياغة لغوية تناظر الصيغة القرآنية، كما في قوله:<< همست في أذنك ذات يوم حين خلوت معك. إن كان تحتك كنز فدلني عليه، فضحكت. وذكرتني بسورة الكهف، وجدار اليتيمين>>.
إن هذه الفقرة فيها تناص مع قصة موسى عليه السلام والرجل الصالح( الخضر)، وكذلك في ( فالطيور الأبابيل من هناك تقذفهم براجماتها) تناص مع سورة الفيل. وكذلك قوله:<< سبحان محيي الأموات>>، وفيها تناص مع الآية الكريمة<< سبحان من يحيي العظام وهي رميم>>. أو يحتفظ بجملة كاملة من النص القرآني، ويضمنها في خطابه القصصي، كما في الأمثلة السابقة<< وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى>>.
ومن مظاهر العتاقة اللغوية توظيف الحاج بونيف للشعر العربي، كما في قوله:<< جاحظتان في مراقبة،<<عيون المها تجلب له الهوى من حيث يدري ولا يدري>>، وفيها تناص وتقاطع مع قصيدة علي بن الجهم، و معروف الرصافي ( عيون المها) حيث يقول:
عيون المها بين الرصافة والجسر* جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
وقول بونيف:<< هزت جسدها النحيل المطمور بأسمال بالية،وضمت الرضيع إلى صدر حنون>>، وهذا يتقاطع مع قول معروف الرصافي في قصيدته ( الأرملة المرضعة) .
وكذلك توظيف الفلسفة والفكر الإسلاميين، حيث الحديث عن العقل والجوهر الفرد، والذات الإلهية، والإشراق النوراني، مثل قوله:<< صرت الآن أميز بين الأحياء، مناطق من العالم تشع منها أنوار، ومناطق أخرى يلفها الظلام الحالك الذي يظهرها، وكأنها قطعة من الفحم الحجري. وسألته عن هذه الأجسام التي تظهر مشتعلة ويسبقها تطاير شظاياها حتى تكاد تحرق الكل.. ولكنها تخفف أو تحرق كلما اقترب منها جسم منير؟. ذاك هو الصراع بين الخير والشر، بين الحق والباطل، بين الفضيلة والرذيلة.. ازددت رسوخا في هذه المعلومة، ورخت أرى الأجسام النارية على كثرتها تخترق ويزول أثرها، أمام الأجسام المشعة التي بدت لي قليلة في هذا السفلي>>.
وهذا فيه استحضار لنصوص وأفكار الفلاسفة المسلمين والفلسفة الإشراقية.
كما يستحضر الحاج بونيف جنسا حكائيا عربيا قديما، هو ( ألف ليلة وليلة) ليبني من خلاله ذلك التقابل بين فضاءين: الفضاء العجائبي لألف ليلة وليلة من خلال: مدينة بغداد وشط العرب، والفضاء الحقيقي لمدينة بغداد، والكرخ وغيرها من المدن العراقية. ويستعين بشخصيتين عربيتين تراثيتين قديمتين.. كالسندباد البري والسندباد البحري، ليبين هول الكارثة بأرض العراق، وشط العرب.
واستحضار الكاتب لهذه العتاقة اللغوية دليل على تكوينه الإسلامي، وتشربه المبادئ الإسلامية، وتأثره بالفكر السلفي الإصلاحي الذي ساد الجزائر إبان الاحتلال الفرنسي، وبعيد الاستقلال، والتأثير الذي تركه الجو الثقافي الإسلامي في نفسه.. وتأثير فكر مالك بن نبي في الجيل الجزائري المعاصر.
كما أن هذه التوظيفات يريد الحاج من خلالها لفت انتباه القارئ/ المتلقي إلى الرسالة التي يتضمنها خطابه القصصي، ومن خلال ذلك – أيضا- : << يظهر الدور الذي يلعبه النص القرآني في مجتمع النصوص العربية. وهي ظاهرة تنفرد بها الثقافة العربية، وتؤثر في حركته عملية تشابك العلاقات التناصية فيها. فلا تعرف الثقافات الأخرى مثل هذا النص المثال: النصر المسيطر، النص المطلق، النص المقدس<< علاقة أوديبية>>(18).
وقد حول الكاتب بونيف النصوص القرآنية إلى لغة ترسيخ، وتأكيد، وتقوية، وحجاج للمواقف التي يعبر عنها، ويضمنها قصصه القصيرة، ويعززها بها.
وعندما نقارن بين التركيب الداخلي للمتن القصصي، وصيغة المحكي فيها، فإننا نستخرج الملاحظات التالية:
1- اعتماد الكاتب الخطاب غير المباشر: ( قالت- قال- قيل...). والذي تكرر في القصص التالية على النحو التالي:
- عفوا. الرقم خطأ....مرة واحدة.
- الوصية= 14 مرة.
- المعطف= 11 مرة.
- جدارية= 9 مرات.
- الفيزا= 3 مرات.
- الصلصال= 4 مرات.
- عطر الخلود= 00
- خجل= 7 مرات.
- تمرد ظل= 10 مرات.
- سراب= 2 مرتين.
- هروب عروسة= 4 مرات.
- صفاء الروح= 3 مرات.
- بوبليشا= مرة واحدة .
- صراع السندبادين= 00 مرة.
- صديقي الرئيس= 11 مرة.
- الغريبة= 00
- عتمة= 7 مرات.
- وعادت الذاكرة= 4 مرات.
- سأعود ولكن للأبد= 5 مرات.
- الذباب= 3 مرات.
- جزيرة الأيتام= 8 مرات
9- حضور الخطاب المباشر وغير المباشر الحر:
وقد اعتمد الكاتب الحاج بونيف هذا الأسلوب لينفي حضور الراوي، وعدم ظهوره في العمل الأدبي(19)، وليضع مسافة بينه وبين الحكي.
وإلى جانب هذه اللغات المتعددة:<< يمكن رصد تعدد لغوي على مستوى آخر، هو مستوى تعدد أصوات الشخوص، بما تعكسه كل شخصية حسب موقعها ووعيها>>(20).
ويمكن تقسيم صوت الراوي في المجموعة إلى:
1- صوت يندد بحال المجتمع الجزائري، كما في القصة( المعطف- جدارية- سراب- صديقي الرئيس)
2- صوت يندد بحال الواقع العربي، كما في( الوصية- الغريبة- عتمة- وعادت الذاكرة- سأعود، ولكن للأبد- بوبليشا- الذباب- عطر الخلود- صراع السندبادين- جزيرة الأيتام).
3- صوت ذاتي تأملي، كما في ( خجل- الفيزا- عفوا الرقم خطأ- تمرد ظل- هروب عروسة- صفاء الروح- الصلصال).
وقد استخدم الحاج الأسلوب الحر غير المباشر في قصصه، حيث مزج بين ضمير المتكلم والغائب، ليعبر من خلالها عن إدراكات الشخصية الفاعلة للعالم الخارجي، بشكل مباشر، كما تحدث في الوعي.
وهو بهذه الطريقة يتجنب التقرير غير المباشر للإدراكات، فيستطيع أن يصوغ بالألفاظ الإدراكات دون أن ينطوي ذلك على أن الشخصية نفسها قد صاغتها:<< قلت من الأليق أن تؤلف جمعية إصلاحية تنادي بتحرري وانعتا قي من هذا السجن الذي تراه أيها العبد>>.
<< لم يبق على موعد سفري- أنا وهي- سوى سويعات لذلك راح صاحبي يوصيني بها خيرا في التعامل وفي الأكل والنوم.. أكثرت من الإيماء برأسي، أن نعم على كل الذي قال. وطمأنته أني سأنزلها المكانة التي تستحق>>.
هذه الحوارات، وهذه الطريقة في السرد القصصي، تجعلنا نستنتج أن الحاج بونيف يمتاز بثورة أسلوبية في كتاباته، حيث نجد جملا قصيرة جدا..
وتتميز قصص الحاج بونيف بمعجمها الأنيق، والفصيح، والبعيد عن الحشو، وغريب اللفظ، ووحشيه. فهو يعتني باللفظ وبالكلمة التي تؤدي وظيفتها في السياق القصصي داخل فضاء مكاني وزماني.. وهذا يعطي لقصص بونيف جمالية سردية، وفنية في الخطاب والحكي.
وسرد الحاج ، يمتاز ببساطته، وخفته، وانسيابيته، وشاعريته.. وهذه البساطة تدفع الحاج إلى عدم الاهتمام ببلاغة اللغة وبديعها:<< راح في سبات عميق، ولم يوقظه سوى الانفجار الهائل حين اصطدم القطاران...
نزل مع النازلين، وركض إلى المكان المتضرر من الحادث.. رأسا القطارين كأنهما في عناق...
بعض الأشلاء تطايرت فبعثت مسحة من الكآبة على المكان، وهرع المسافرون يسعفون الجرحى...>> .
ومن ثم فهو لا يشتغل على اللغة، ولكن على الإبلاغ باللغة. فتصبح قصصه تمتاز: << بطغيان ما هو إبلاغي على ما هو تخييلي>>، ورغم ذلك لا تخلو قصص الحاج من تجريبية، وتنويع في القوالب، وعكس للرؤى والصيغ الخطابية، والأدبية.<< فالقارئ لا يقف على اشتغالات اللغة، ولا على ما يحرفها عن دلالاتها المعجمية، إلى ما هو استعاري، وكنائي، وإلى ما يخصب فعالية التأويل، وتعدد مقاصد القص>>(21).
<<أدمن الجلوس إلى كرسي النت.. هربت منه الساعات الثمينة التي يتسكع فيها في شوارع المدينة باحثا عن اللاشيء.. عيناه زائغتان، يكتفي اكتحالهما بالسلع المعروضة.. وجاحظتان في مراقبة" عيون المها تجلب له الهوى من حيث يدري ولا يدري".
يدلف ...تداعب أنامله لوحة التحكم، ويستسلم لدردشة يحضر فيها صوتها، وتعمل مخيلته على رسم ليلاه بفستانها الأبيض الطويل تجرجره ومن خلفها تلتقطه الحسناوات مبتسمات>>.(الفيزا).
كما نجد في قصصه نوعا من المناجاة، أو تيار الوعي، وهي نوع من السرد الذاتي، الذي لا يحتاج فيه إلى مستمع يشاركه حالته الشعورية.. فنجده يحاور ذاته بصوت مسموع كأنه يوجه إلينا الخطاب:<< جاء دوري، تقدمت وبصمت. فجأة.. هناك من يرمقني ويطيل النظر إلى كتفي.. اشعر بامتعاض.. أتلمس كتفي.. تنتقل عيناه إلى الكتف الآخر.. أتلمسه. تجمدت عيناه بكتفي وتجمدت في مكاني.. يمد يده إلى سماعة الهاتف: ألو.. هوليود... إن ما تبحثون عنه وصل. عددهم أربعة.. نعم دون حاملها.
فرحت.. هوليود... إذن سأقوم بدور ما في السينما.. التفت.. لكن ما حكاية الأربعة، فأنا وحيد ، ليس هناك غيري.. هناك خلل ما .. حجزوني لأكثر من ساعة.. أبواق إنذار تنطلق من سيارة تصل إلى المكان...>>(الذباب).
وتيار الوعي هذا، اعتبر – كما عند وليام جيمس- تعبيرا مجازا للدلالة على التدفق الذهني، واتصاله مع تغيره المستمر.
واعتبر- أيضا- بأنه اندماج كل ما عانيناه وما نعانيه من تجارب، وكل فكرة هي جزء من وعي شخص، وكل فكرة هي أيضا فريدة في نوعها ودائمة التغيير: << إن التجربة تعيد تكيفنا كل لحظة، وأن ارتكاسنا العقلي في كل أمر معين هو في الواقع حاصل تجربتنا الحياتية للعالم بأسره، حتى هذه اللحظة>>( 22).
فالحاج بونيف يصب تجربته الفنية بكل مكوناتها في قصصه. بأسلوب لا يشعرنا فيه انه يستعرض وجهة نظر سياسية أو حياتية.. ولكن يمررها عبر الحدث، والسرد، ومواقف الشخوص.
وهو قبل كل شيء، يعرف خصوصية القصة القصيرة، ويعرف- كمثقف- أن نسيجها اللغوي هو المتن القصصي الذي يشمل الحوار والسرد، والحدث، ويشكل الشخصيات، ويتنامى بها. ولذا هو يعمل على التصرف في هذا النسيج، والتلوين فيه.. فنجده يكتفي بالحدث والموقف، وأحيانا بالحوار والسرد، وأحيانا يدمجها كلها.. ليصعد من درامية الحدث، وصراعه.
لذا جاءت لغته في القصص بالغة التكثيف، والتركيز والاقتصاد. وبذلك هو يذكرنا بطريقة غير مباشرة من خلال القصص القصيرة إلى تنظير الشكلانيين الروس فيما يخص الخصائص البنائية للقصة القصيرة، والتي تتحدد في:
- وحدة الأثر: أي ما تتركه القصة القصيرة من انطباع.
- لحظة الأزمنة، وهي اللحظة التي يتكاثف فيها التوتر، وينطوي عليها الاكتشاف( التتابع السببي والمنطقي).
- اتساق التصميم وارتباط الأحداث بعضها ببعض.. أي الترابط المنطقي.
10- التناص في قصص الحاج بونيف:
المتتبع لهذه القصص القصيرة، يجد أن هناك مجموعة من النصوص تتداخل مع هذه النصوص القصصية، التي تتحول على فسيفساء متناسقة الألوان. وهذا ما يسمى ب: التناص . وهو : << مصطلح يحمل مجموعة من المفاهيم ترتبط بالإحالة والاقتباس والاستشهاد، والنص الغائب>>(23).
هذه التناصات مرتبطة بعلاقات ترابطات لغوية بالنصوص القصصية، الشيء الذي يجعل كتابة الحاج بونيف كتابة متميزة، حيث أصبحت هذه التناصات مدمجة فيها. وهذا أعطاها نوعا من الإدماجية، وأصبحت منصهرة مع الأصل. واستكشافها يتطلب قراءة متأنية.
وعبر العناوين القصصية، وامتداداتها الزمنية، تتراءى لنا مجموعة من التناصات أو النصوص الغائبة، والتي تتراوح بين التراث القديم والحديث: تحيلنا على نصوص من القرآن والحديث والأمثال، حيث تدخل فيها هذه النصوص القرائية في علاقة تناصية مع نصوص القرآن( النص الديني المقدس).
وحتى نقف عليها وعلى دلالاتها التناصية، وعلاقاتها داخل المتن القصصي لحاج بونيف، لا بد من رصد كيفية ورودها لمعرفة الوظيفة التي تقوم بها داخل الحكي القصصي.
والنصوص القصصية تدخل مع هذه التناصات في حوار تبادلي، وهذا يجعل الملفوظ:<< في النص قد لا يكون ذا قيمة دلالية تذكر، إذا وضعناه في سياقه العام. لكن النص بطريقة تركيبية، وصياغته يوحي بأشياء كثيرة عن طريق الإحالة على نمط من الكتابة تنتمي إلى ذهنية معروفة، وعصر معروف. إذ معلوم أن: << اللغة تحمل في طياتها بإيديولوجية العصر>>(24).
هكذا نجد كاتبنا وظف التناص توظيفا جيدا ، أعطى للمواقف والأحداث أبعادا ، وإيحاءات عميقة وسعت دائرة الدلالة ، واستدعت تداعيات لا متناهية. ولا نجد فيها تنافرا بين هذه النصوص، بل مزجها الكاتب بفنية وجعلها : << تتعايش، وتتجاوز وتتحاور، وتتصادم في إطار وحدة النص>>(25).
وهذا كله يقدم لنا صورة عن طريق تعامل الحاج بونيف مع اللغة...و << ما يخفيه تركيب هذه اللغة وتشكيلها عبر الصور من مسكوت عنه أو مكبوت سواء في مجال وعي الكاتب أو لا وعيه>>(26). ومن هنا يوصل الكاتب المضمون الحدثي للقصص عبر منظور أحادي، وبضمير المتكلم.
وعندما نستعرض هذه القصص ، نجد التناصات التالية:
1- التناص مع عناوين روايات أخرى: عندما نقرا العنوان( الذباب)، نجدها تتقاطع مع عنوان رواية/ المسرحية( الذباب) لجان بول سارتر، التي تنغمس في العبث والوجودية.. والموت واللامعقول...
كما نجد قصة( المعطف) كعنوان يتقاطع مع عنوان( المعطف) لحسني الناسئ، وقصة( المعطف) لبيرتولد بريخت، و( المعطف) لنيكولاي جوجول..
2- التناص مع النص القرآني: وظف النص القرآني في قصصه القصيرة كتناص، فنجده يقول في( عفوا.. الرقم خطأ):<< استوى الزمن عندها فلا الليل للسبات، ولا النهار للمعاش، الشمس اختفت، والكواكب اندثرت>>، وهذا نجد فيه تناصا مع آيتين كريمتين:<< وجعلنا النهار معاشا والليل سباتا>>، و << إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت، وإذا الجبال سيرت...>>..
وفي قصة( جدارية) نقرأ:<< ذكرتني بسورة الكهف وجدار اليتيمين>>، وهي تتقاطع مع سورة الكهف، وقصة موسى عليه السلام، والرجل الصالح( الخضر)، وقصتهما مع اليتيمين اللذان أصلحا لهما الجدار الذي تحته كنز لهما.
كما أن الحاج يوظف الأمثال العربية ، كما في قوله:<< إنهم غرسوا وها نحن أولاء نغرس>>، وهذا يتقاطع مع المثل العربي<< غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلون>>، وقوله:<< وسيف الزمن حاد>>، وهذا فيه تناص مع المثل العربي:<< الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك>>.
كما يوظف تناصات لبعض الأمور السياسية التي عاشها عصرنا الحديث. ففي قصته ( وعادت الذاكرة) نجد فيها تناصات يتقاطع مع الأحداث التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، والتي تتعلق بمفاوضات السلام، وحرب لبنان، وغزو الجنوب اللبناني، والانتفاضة، والمقاومة الباسلة.
كما نجده في قصة( السندبادين) يوظف تناصا يتقاطع مع بعض القضايا العالمية التي شغلت الرأي العام الدولي أواخر الخمسينيات و الستينيات ، وهي قضية( خليج الخنازير) والتي كانت ستؤدي إلى حرب بين كوبا والولايات المتحدة الأمريكية في عهد جون كنيدي.
كما نجد التناص يتقاطع مع الشعر العربي: << عيناه زائغتان، يكتفي اكتحالهما بالسلع المعروضة، وجاحظتان في مراقبة" عيون المها تجلب له الهوى من حيث يدري ولا يدري>>. وفيه تناص مع بيت من الشعر العربي لعلي بن الجهم والذي عارضه معروف الرصافي:
عيون المها بين الرصافة والجسر/ / جلبن الهوى من حيث أدري ولا ادري
وكما نجد في قصة( سراب) قوله:<< هزت جسدها النحيل المطمور بأسمال بالية، وضمت الرضيع إلى صدر حنون>>. وهذا يحيلنا إلى قصيدة معروف الرصافي( الأرملة المرضعة) التي يقول فيها:
لقيتها ليتني ما كنت ألقاها/// تمشي وقد أثقل الإملاق ممشاها
أثوابها رثة والرجل حافية//// والدمع تذرفه في الخد عيناها
تمشي بأطمارها والبرد يلسعها///كأنه عقرب شالت زبانها
تمشي وتحمل باليسرى وليدتها///حملا على الصدر مدعوما بيمناها
11- الشخوص في قصص الحاج بونيف:
الشخصية أساسية في الخطاب القصصي، وركن ضروري فيه. إذ تعمل على تماسك وحداتهن وبنائه السردي. ومن لسانها وحركاتها وأفعالها وسلوكاتها، يتشكل الحدث والعقد والحل، والنص القصصي كله، وتتشكل الرؤية الفنية والجمالية للعمل القصصي.
وهي:<< محض خيال يبدعه المؤلف لغاية فنية وجمالية يرسمها في مخيلته>>(27).
والبطل في القص هو الكاتب نفسه الحاج بونيف. ولذلك نجد ( الأنا) تتصاعد، وتتنامى في مضامين النصوص. حيث تمثلها ( ت) التاء المتحركة الخاصة بالمتكلم المفرد، وكذلك همزة المضارعة. وهذا الضمير المتكلم يتدخل بطريقة مباشرة في سياق أحداث القصة، ويساهم في تطورية السرد، وتوالي الحكائية.
كما أن الحاج يستخدم ضمير المتكلم في أسلوب المونولوج المروي، وبالتالي نجح في تمثل عقل الشخصيات وإدراكها. كما أن الضمير المنفصل( أنا) الذي يستخدمه الحاج بونيف على لسان بعض شخوصه، يبين مدى اندماج الحاج مع موضوع الوعي، حيث يشعر بشعور الشخصية ومشاعرها في جمل تابعة بعد أفعال توضح التحليل الداخلي لهذه الشخصية/ الكاتب.
والشخصية تعبر عن وعي منعكس حيث تندمج الإدراكات للعالم الخارجي مع أفكار منعكسة من الداخل في عقل الشخصية:<< لعلك لم تكن تصغي إلي، إذ حدثتك أخيرا عن إمكانية غيابي، ربما لأيام . لقد قلت لك حينئذ أنني ذاهب لطلب فيزا>>.<< اغتنمت فرصة موافقتها وأسرعت لوسيط ليحضر من حدثني عنها منذ يومين>>.<< وأنا أتأمل نملة تسحب حبة قمح لا زالت متمسكة بسنبلتها، افتقدته، فلم أستطع التنقل عبر الشارع الطويل من دونه>>.
<< استأنست بعودته، بدا لي أكثر سوادا، فلم أشأ أن أحدثه>>.<< راودتني فكرة رفضها مرارا، ولكن منعني حيائي من رفض الهدية>>.<< لأنها مقبلة معي على أيام قد لا أجد فيها ما أناوله أنا>>. << هبت نسمات عليلات فأحسست بالانتعاش، والانتشاءـ داعبتني سنة وشعرت بثقل جفوني، فأغمضت عيني>>.
<< فما أشعر إلا وأنا المتسكع الوحيد في أنهجها التي لا تعرف أحدا يهدر وقته الثمين سواي. فالكل ينتهز ساعاته إلا أنا أراها تنتهزني في حلي وفي سفري>>.
فهذه الجمل بكاملها،وغيرها في النصوص القصصية، تعبير واضح عن إدراك الشخصية/ المتكلم، حيث تتركب من مجموعة من المفردات التي تنقل المعنى الحكمي أو المعرفي لشخصية، وهي تمثل الصفات والأفعال والمصادر.
وهذا كله يوظفه ليشد الانتباه إلى مكون الحدث الأساسي، ويجعل القارئ يشارك في بناء الحدث، ويدفع به إلى أن يتقمص الشخصية.
كما أن هذه المصادر والصفات والأفعال من خلالها ندري مدى وعي الشخصية/ المتكلم بالحدث، وكحدث ومسايرتها في النسيج السردي والحكائي... كذلك نستنتج منها تقييما شموليا لها، ونتعرف على نسبة التقدير عندها، ومدى رأيها فيما يدور حولها.
والشخصية المتكلم أو الكاتب Le sujet parlant من خلال حواراته، ومناجاته النفسية، وتداعياته، ومواقفه، عبر أحداث القصص ، تظهر لنا شخصيته التي نجدها ساخطة أحيانا، منددة أحيانا أخرى، مصلحة. وقد تفوق الحاج بونيف في النفاذ لأعمق الحقائق الاجتماعية والنفسية والانفعالية عن حياة أبطاله.
ولغة الشخوص يحولها الحاج بونيف إلى لغة جميلة ذات فنية. تنبض بالحياة، والواقعية. الشيء الذي يعطي للغة في قصصه بعدا جماليا ودلاليا جديدا. وهذا عنصر من عناصر الأداء القصصي عنده.
وشخصيات القصص على قلتها، وبساطتها ن تتميز بثرائها الإنساني، ووضوح مشاعرها ومضامينها الفكرية، وجميعها حقيقية أو أشبه بالحقيقية من عامة الناس ومن قلب الأحداث اليومية.
وهذه الشخصيات التي تتفاعل داخل فضاءات مكانية مختلفة مغلقة، منعدمة في بعضها الأوصاف الخارجية المحددة لسماتها، وملامحها، حيث إن الحاج بونيف لم يعطنا وصفا فيزيولوجيا واحدا لبعض الشخصيات، ما عدا وصفا عارضا:<< عروقها لا تكف عن النبض، وطعم الحياة فيها مالح كالعرق تماما(...) هامتها تعانق السحب عناقها الأزلي، وأضلاعها تضم ضفتي النهر فيخاصرها في عناق طويل>>.<<أجده ممدا ينظر إلى السماء بعينين غائرتين، وقد سال دم من رأسه الأشيب فغطى لحيته البيضاء، احتضنته بين يدي، ورحت أزيل ما علق بجسمه النحيل من أوحال وأتربة وأوراق أشجار متناثرة>>.<< كانت شابة لطيفة المظهر، بشعر بني انسدل ليغطي كامل جسدها البض، وليزيد قوامها الرشيق أناقة وجمالا>>.
وشخصيات قصص الحاج بونيف ، نجدها كالتالي:
- شخصيات محركة للحدث( وهي الرئيسة) ، الكاتب/ الراوي( السارد).
- الشخصيات التزيينية/ الهلامية... والتي تظهر طافية.. لا دور لها في سياق الأحداث.
- الموقف. وهو الحدث المتولد عن المواقف والأحداث.
وتمتاز هذه الشخصيات في بعض القصص بالتناقض في إحساساتها ومواقفها، وسلبيتها، وضعفها وخنوعها واستهتاراتها، واستسلامها. تحس في أعماقها بالقهر اللاإنساني. ومن هنا يتولد الموقف الذي تنبع منه دراما الحدث كما في قصة ( الذباب – الوصية- فيزا- خجل- تمرد ظل- سراب- صديقي الرئيس- الغريبة- عتمة- صفاء الروح- بوبليشا- جزيرة الأيتام).
هوامش الفصل الثاني
1- د. حمداوي،( جميل)، صورة العنوان في الرواية العربية، من موقع إلكتروني.
2- مخلوف،(عمر)،المرجع السابق،ص: 10)
3- المرجع نفسه، ص: 12.
4- اصميدي، ( عبد الرحيم)، قراءة في رواية " محاولة عيش" لمحمد زفزاف، دار التجهيز، ط1، يناير 2006، الدار البيضاء، ص: 17
5- الزوهري، ( عبد الهادي)، تحليل الخطاب في حكاية الأطفال، مطبعة فيديبرانت، ط1،2003، ص: 52
6- المرجع نفسه، ص: 52
7- داني، ( محمد)، تقنية القصة القصيرة في " حديث رجل يحب الوطن" لمحمد صوف، الملحق الثقافي للميثاق الوطني، الأحد 11 أبريل 1993 .
-8- د. عبد الرحمن يونس، (محمد)، مدخل إلى مفهوم المكان في النص الحكائي( موقع الأنترنيت).
9- د. بحراوي، ( حسن)، بنية الشكل الروائي، المركز الثقافي العربي، بيروت/ الدار البيضاء، ط1، 1990، ص: 29.
10- د. لحمداني، ( حميد)، بنية النص السردي من منظور النقد الادبي، المركز الثقافي العربي،بيروت/ الدار البيضاء، ط1، آب 1991، ص: 65.
11- اصميدي، ( عبد الرحيم)، المرجع السابق، ص،15.
12- صدوق، ( نور الدين)، الغرب في الرواية العربية: قنديل ام هاشم نموذجا، دار الثقافة، الدار البيضاء، ط1 1995، ص: 69.
13- Mitterand,(Henri) ;Le discours du roman, P.U.F,ecriture,Paris,1980,pp :192-193
14- العافية، ( محمد)،الخطاب الروائي عند إميل حبيبي،مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط1، 1997، ص: 173.
15- المرجع نفسه، ص: 186
16- عبد الكريم، (عواطف)، تعدد التصويت في الموسيقى، مجلة فصول، العدد الثاني، يناير 1985، ص: 100
17- العافية، ( محمد)، المرجع نفسه، ص: 112
18- د. حافظ، ( صبري)، التناص وإشاريات العمل الادبي، عيون مقالات، العدد2، 1986، ص: 97
19- قاسم، ( سيزا)، بناء الرواية، دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت، ط1، 1985، ص: 180
20- العافية، ( محمد)، المرجع السابق، ص: 135
21- د. نضال،( صالح)، القصة السورية في سوريا: قص التسعينيات، منشورات اتحاد كتاب العرب، دمشق 2005، ص: 130
22- مطر تميمي، ( قاسم)، علم النفس وأثره في القصة الحديثة- موقع إلكتروني
23- العافية ، ( محمد)، المرجع نفسه، ص: 72
24- المرجع نفسه، ص: 79
25- المرجع نفسه، ص: 84
26- المرجع نفسه، ص: 85
27- اصميدي، ( عبد الرحيم)، المرجع السابق، ص:
في العالم القصصي للحاج بونيف( فصل من كتاب عن القصة الجزائرية القصيرة)
1- تمهيد:
إن قراءة المبدع والقاص الحاج بونيف، تستدعي منهجية خاصة، والتي تستند إلى قراءات متنوعة ومتعددة، منها:
- القراءة التعرفية أو الاستثنائية، وهي نوع من القراءة لخلق نوع من الحميمية ما بيننا كقراء ، وما بين نصوص الحاج بونيف.
- قراءة متأنية عميقة، تبئيرية، تساعد على تحديد الحدود السردية والتقنية، والفنية واللغوية للحاج بونيف من خلال قصصه.
ومن هذه القراءة الثالثة ننتقل إلى قراءة رابعة ، هي القراءة التأويلية، والتحليلية، والتفسيرية. هذه القراءات كلها ن الغاية منها تحفيزنا كقراء ، وإثارة شهيتنا للقراءة والوقوف على المسار القصصي لكاتب كبير هو : الحاج بونيف.
فمن هو الحاج بونيف؟.
2- لمحة عن الحاج بونيف:
الحاج بونيف من مواليد قرية الهامل من سنة 1951، ككل أطفال الجزائر آنذاك، نشأ في جو سياسي غير طبيعي، إذ لم تكن الجزائر حرة، وكانت تستعد لخوض حرب طويلة، وهذا الجو جعله كأغلبية البسطاء من الشعب يحيا حياة الفقر..
أدخله أبواه الكُــتاب، فقرأ القرآن الكريم، وحفظه ..وفي سنة 1958 دخل المدرسة الابتدائية في قريته فنال الشهادة الابتدائية.. وانتقل بعدها لإنهاء دراسته المتوسطة والثانوية بالمعهد الإسلامي القاسمي الذي كانت له شهرة وطنية وافريقية.. ومنه تحصل على شهادة الأهلية، واجتاز شهادة البكالوريا سنة 1969، ولم تسمح له ظروفه المادية بمواصلة مشواره الدراسي، فانخرط في سلك التعليم سنة 1970، فعلم في المدرسة الابتدائية لمدة أربع سنوات بمدينة بني سليمان ولاية المدية، ثم التحق بدار المعلمين ببوزريعة بالجزائر العاصمة ليتخرج منها بدرجة الأستاذية ، وعمل كأستاذ لمادة اللغة العربية وآدابها من سنة 1974 إلى سنة 1982 بمدينة عين وسارة بولاية الجلفة، ثم انتدب للجامعة ، ومنها انتقل إلى المركز لوطني لإطارات التربية بابن عكنون بالجزائر العاصمة ليتخرج منه سنة 1984 كمفتش لمادة اللغة العربية وآدابها..
طوال هذا المسار شارك في عدة ملتقيات أدبية وفكرية وتربوية. وله إسهامات فيها، نشرت على صفحات الجرائد والمجلات المحلية،والوطنية.
وتعود محاولاته الأدبية الأولى في كتابة القصة القصيرة إلى منتصف السبعينيات، حيث نشر على صفحات المنبر الأدبي لجريدة الشعب بعض محاولاته التي لقيت تشجيعا من القائمين على هذا الركن الأدبي.
ومن القصص التي نشرها، نذكر:( المعلم الشهيد- مبني على الضم- الرهان- ) . كما نشر في هذه الفترة المتقدمة من حياته بعض المقالات السياسية، والاجتماعية والتربوية على صفحات بعض الجرائد والمجلات، كالشعب، والمجاهد.
وبعد توقف عن النشر، استطاع خلاله جمع الكثير من إنتاجه القصصي، عاد لينشر من جديد. فنشر أكثر من 50 قصة قصيرة، الأغلب منها نشر على صفحات جريدة صوت الأحرار في منبرها الأسبوعي،( أصوات أدبية) التي تتمتع بسمعة وطنية وعربية.
الأديب الحاج بونيف في إحدى الأمسيات الأدبية صيف 2004، بصالون عقيل الثقافي يغلب على قصصه الطابع الاجتماعي والسياسي. ففي الكثير منها رمزية تشد القارئ من دون أن تستهين بذكائه وعبقريته.
والكثير من هذه الأعمال منشورة أيضا على شبكة الإنترنت،وقد تناولها نقاد من مختلف الأقطار ، وأبدوا إعجابهم بالأسلوب والمحتوى والأفكار المطروحة .. ولم يبخلوا بذكر ملاحظاتهم وآرائهم التي رأوها.. وكانت لبعضهم اتصالات مباشرة مع القاص تناولت جوانب متعددة من إبداعاته .. كما كان لبعض إنتاجا ته الأدبية وقفات من بعض النقاد على صفحات الجرائد الوطنية ..
لم يتسن له أن يطبع هذه الأعمال رغم كثرتها، لأسباب منطقية في الكثير من الأحيان. لكنها جمعها على شكل مجموعتين من الحجم المتوسط. نأمل أن ترى النور يوما .
و الحاج يقضي جل وقته بعد فراغه من عمله كمرشد تربوي، في مطالعاته ، وفي الكتابة التي تتنوع بين المقالات .. والقصص القصيرة . ليس راضيا عن الأوضاع في بلده لما تعانيه من سوء في التسيير على جميع الأصعدة، وأكثر ما يتألم له رؤيته للشباب المثقف من خريجي الجامعات يحالون على البطالة الدائمة من يوم تخرجهم، في حين تسند المسؤوليات والمناصب لأصحاب السلطان، واليد الطولى، من الذين امتدت أيديهم إلى الخزانة فنهبوها، وجوعوا البلد وأهله. يرثي لحال الثقافة والمثقفين في البلاد العربية، وبخاصة في الجزائر. إذ صار المثقف من أفقر خلق الله على البسيطة، في حين يرفل الأغنياء من الجهلة في الحرير والذهب.
أما عن الأوضاع السياسية الكبرى في العالم.. فيرى أن مأساة الشعب الفلسطيني ومعاناتهم من الاستعمار الصهيوني الظالم ، سبب في جلب المهالك للشرق الأوسط بأكمله.. وما احتلال العراق إلا دليل صارخ على عنجهية هذا الاحتلال الذي يتدثر بثوب الحرية وحقوق الإنسان، ليحتل الإنسان ويقتله، ويهلك الحرث والنسل، ويأخذ خيرات البلد.
وعن الإرهاب .. يقول: .. إنه نابع من تسلط الأقوياء على رقاب الضعفاء، فمتى انزاح الظلم عادت الحياة تسير سيرها الطبيعي.. ولا يوجد إنسان خلقه الله ليكون إرهابيا.. بل يدفعه إلى هذا السلوك الانتقام من المتكبر الظالم الذي يعتد بقوته.. وقوته فقط..
والعولمة كذبة كبرى وفرية عظمى القصد منها الاستحواذ عن خيرات هذا العالم والهيمنة على الشعوب المستضعفة، وجعلها تسير مكرهة في الطابور منقادة إلى المسلخة، ليسلخها عن قيمها، ومبادئها، ودينها، والقضاء على ثوابتها.
3- عتبات المجموعة القصصية:
إن العتبة seuil التي تحدث عنها دوستويفسكي، تساعدنا على دخول النصوص القصصية للحاج بونيف. ويمكن اعتماد العتبات النصية كنص مواز Paratexte لدراسة خصوصية السرد في قصص الحاج بونيف.
3-1- العناوين:
الشكل القصصي يتسم بخاصية الاندماج التي تحيل على مجموعة من الخصائص الشكلية المفضية إلى الإيجاز والتركيز، والتكثيف، والالتفاف حول حدث أو أحداث، فكرة أو أفكار تكون بنها علاقة تشابه.
ويعرف العنوان في علم العنوان Titrologie، بكونه مجموعة من الدلائل اللسانية، يمكنها أن تثبت في بداية النص من اجل تعيينه، والإشارة إلى مضمونه الإجمالي، ومن اجل جذب الجمهور المقصود.
والعنوان قد يتحول إلى علامة لسانية تشير إلى محتوى النص- كما يقول الدكتور جميل الحمداوي- ومن هنا يمكن الشروع في نمذجة تصنيفية للعناوين وفقا لعلاقتها بالحكي السردي، ولذلك يعتبره الأستاذ الحمداوي الصورة المتكاملة التي يستحضرها المتلقي أثناء التلذذ والتفاعل مع جمالية النص، ومسافاته الاستيطيقية.
والعنوان عتبة النص، وبدايته، وإشارته الأولى. ويقول علي جعفر علاق:<< ليس العنوان الذي يتقدم النص مجرد اسم يدل على العمل الأدبي: يحدد هويته، ويكرس انتماءه لأب ما. لقد صار أبعد من ذلك بكثير، وأوضحت علاقته بالنص بالغة التعقيد.. إنه مدخل إلى عمارة النص، وإضاءة بارعة وغامضة لأبهائه وممراته المتشابكة>>(1).
إن العناوين التي وظفها الكاتب، هي نصوص واصفة للنص. لها قوة النفوذ إلى داخل النصوص القصصية. كما أن لها ساحرية وجمالية تشد القارئ إلى دخول النص والمغامرة فيه.
وعندما نستعرض العناوين- العنوان الرئيس: ( سأعود.. ولكن للأبد)، تتبين لنا بقوة الرؤية التي يستند عليها الكاتب . فالعنوان يتركب من جملتين( سأعود)، ( لكن للأبد)، يربط بينهما رابط هو ( حرف العطف الواو)، والفعل( أعود) مرتبط ب( السين) الدالة على الاستقبال، وان العودة ستكون غدا، في المستقبل. يردفها باستدراك ن وهو أن هذه العودة لن تكون مؤقتة، أو ظرفية، ولكن أبدية، ودائمة.
والعودة يهدف الكاتب إلى هذا الوعي الذي عاد.. الوعي بالذات، وبالواقع، وبمكوناته. إنه نوع من استيقاظ الضمير ، ونوع من اليقظة.
أما العناوين الفرعية، وهي عناوين القصص القصيرة، فنجدها كالتالي:
<< غفوا... الرقم خطأ- الوصية- المعطف- جدارية- الفيزا- خجل- تمرد ظل- سراب- هروب عروسة- صديقي الرئيس- الغريب- عتمة- وعادت الذاكرة- سأعود ولكن للأبد- صفاء الروح- الصلصال- بوبليشا- الذباب- عطرالخلود- صراع السندبادين- جزيرة الأيتام>>.
ومن خلال هذه العناوين ، نجد 12 عنوانا جاء مفردا، وغير مركب. و 10 من العناوين جاءت مركبة. وهذا مقصود من الكاتب.. وقد نوع من خلال هذه الأحداث في مستويات السرد، اعتمادا على الكاتب/ الراوي الواعي بكل شيء، والواقف على كل الجزئيات والمتحكم فيها.
3-2- المتن الحكائي في المجموعة القصصية:
إن الطابع المحكي فيها هو محكي الحدث Récit de l’action أو Récit d’évènement، حيث تتعدد الأحداث وتتنوع بتنوع القصص. ويمكن تلخيص هذا الحدث كالتالي:
سأعود... ولكن للأبد:
عندما اخترت مجالسة الأديب الكبير، والقاص الجزائري الحاج بونيف، جمعت ثلة من قصصه القصيرة لما فيها من تعبير جيد وصور مشرقة، وفنية في القص.. و احترت في إعطائها عنوانا ، وكان الاختيار على قصة منها، هي : ( سأعود... ولكن للأبد).
وهذه المجموعة تبين تقنية القص عند الحاج بونيف، وأسلوبه القصصي. وقد تبين انه قاص بارع ، يشع الاجتماعي والتربوي والقيمي والنقدي من قصصه.
إن قصصه ليست من نوع نصوص القراءة lisible كما يسميها رولان بارث. وإنها هي قصص ذات شفرات خاصة، تتطلب فكرا وقراءة ما وراء السطور وما بينها، أي أنها من نوع النصوص scriptables، التي تتطلب عمل الفكر، ومتابعة من نوع خاص.
و المجموعة تتكون من 21 قصة، وهي تشكل ارتباطا علائقيا بالبنيات السردية المتعارف عليها. تتحاور معها وبينها، ليكون الخطاب القصصي والسردي ذا إشعاع دلالي وجمالي وفني، تؤثر على نضوجه فن القصة القصيرة، عند كاتبنا الحاج بونيف.
إن ارتباط الكاتب بواقعه، ومشاكله، ومصير بلده، يعطي لكتاباته نوعا من الهوية، ونوعا من الفرادة، تجعلان منه كاتبا جزائريا وعربيا بامتياز.
إنه كاتب مثقف، واع بما له وما عليه... الشيء الذي جعله يقف في وجه اليومي، وتشعيباته، ويناضل على جميع المستويات... إن خطابه القصصي يستمد قوته من المشاهد اليومي، ومن الألم، والإحباط الذي تعانيه البلد.
إن هذه النصوص التي اخترناها للقراءة، ومحاورة الحاج بونيف من خلالها، هي ذاكرة ثقافية، نطل من خلالها على عالم الحاج، والواقع الذي استلهم منه هذه النماذج القصصية.
إن للكاتب الحاج بونيف خصوصيات المبصر، والناقد والمدين للواقع المعيش.
4- هل هي قصص متميزة أم أنها من المألوف المعتاد؟:
إن قصص الحاج بونيف جزء من القصة الجزائرية التي عاشت مخاضات، وعايشت التحولات التاريخية، والسياسية، والتي مكنته من التدرج في الحكي والقص، إلى أن اكتسب ناصية فن القصة القصيرة، وأصبحت وسيلته لتعرية هذا الواقع بعدما اكتشف أشياء وأشياء.
وهذا يدفعنا إلى اختراق نصوصه لمعرفة من يحدثنا عن هذا الواقع المريض؟ ولماذا؟. وإلى من يوجه خطابه القصصي هذا ؟.
إن ذاتية الكاتب الساردة، تجعلنا نتجاوز كل المتناقضات الخطابية، لنقف جازمين أن الكاتب هو هذه الذات الواعية التي تتلبس الشخوص، وتدفعهم إلى نقد هذا الواقع، والتأثير فيه، والتأثر به.
إن الكاتب الحاج بونيف نراه وراء شخوصه البدائل، يتكلم من ورائها ليطرح قيمه، وفكره، لينتج هذه اللغة التي نجد فيها اختزالا للواقع، وإزاحة له. فعبر هذه القصص الواحدة والعشرين21، نجد الكاتب يؤسس لوعي تناصي، وسردية قل نظيرها. الشيء الذي يمكننا من إعادة تشكيل للبنية الحكائية، والتي تتكون من لوحات يمكن حصرها كالتالي:
1- الوعي والشرخ النفسي:
في القصة الأولى يتم تقديم الشخصية عن طريق الراوي/ الكاتب، الذي يرى ولا يَرى طيلة سير القصة إلى الأمام.
إن كل ما يتعلق بشخصية يصلنا عن طريق هذا الراوي/ الكاتب، حتى يتشكل الوعي لديه، ونتعرف عليه من عنده من خلال وصف لهذه الشخصية... وصف نفسي، وفيزيولوجي وسلوكي، والتي حددت لنا الشخصية المهتزة والمنهزمة، والحائرة.
إن الشخصية التي يحدثنا عنها الراوي في (عفوا.... الرقم خطأ)، شخصية تعاني شرخا كون لها نوعا من انفصام الشخصية. شخصية بوجهها الذي جاء من الجنوب، ويحن إليه. وشخصية ذات الوجه الجديد الذي تقف أمامه المدنية والحضارة والمدينة، والتي وصلها بعد رحلة شاقة وطويلة... والاستقرار في جنباتها: << بشرته أظهرت غربته... استقر في أحد أحيائها... الهدوء يبسط أجنحته على المكان، تنقل في أوصالها وبعض مفاصلها>>، بأنه يجد نفسه في هذه المدينة الحضارة... ويجد شخصيته.
وعندما نتغيى تأويل هذه الرؤية الخفية، والخلفية، وحديث الراوي من وراء الشخصية،نجد أن وعي وإدراك الراوي/ الكاتب و إيديولوجيته الرؤيوية.
فهو من خلال هذا الوصف التسجيلي الذي يفتتح به القصة، يعمل على بسط نفسية الشخصية وحالتها ونزوعها ما بين الانتقال من الجنوب إلى الشمال حيث المدنية والحضارة.. غنها طريقة للتعبير عن التمزق، والبحث عن الهوية.
2- التأصيل والتجذر وبناء المستقبل:
تنفتح هذه الرؤيا على صرخة الشخصية... الصرخة/ التحدي، والتي تعتبر بؤرة قصة( الوصية): << تريدون اقتلاعنا من جذورنا، فلتعلموا أنها متأصلة في الأعماق>>..فغرس الشيخ الفسائل دليل على البناء المستمر رغم الهدم الذي يمارس علانية.
إن الشخصية تضحي بنفسها ليعيش الأمل، وينمو المستقبل.. يفضل الموت كي ينهي الغرس، لأنه هو الاستمرارية.. هو الأمل.. هو الحياة الجديدة.. وقد استعان الراوي بالحوار ليفشل خطة المحو الممارس، ويقاوم الموت من اجل الحياة.
وتنتهي الرؤية بحكمة يطلقها الشيخ ويأمر بها، وهي وصية الكاتب/ الراوي عن طريق هذه الشخصية الشيخ: << إنها ما يشدنا إلى هذه الأرض، وإنها الشاهد للأجيال المتعاقبة على أنهم غرسوا، وها نحن أولاء نغرس، فاحرصوا على الغرس، ولا تخافوا طائراتهم، فإنها لن تستطيع اقتلاع الجذور>>(الوصية).
3- النعي الكاذب:
تتميز هذه الرؤية بانسيابتها، وحواراتها المتنوعة الأصوات. ومن خلالها نعرف التقلبات التي عرفها سير الأحداث، وتنوع المواقف. نرى فيها التسرع في أخذ القرارات، كما نجد فيها استجلاء الرؤيا وانكشاف الحقيقة.
4- الجدار/ الرحيل:
تبتدئ هذه الرؤية بالحديث عن الغياب، وعن الفيزا، لتعبير عن الهروب، وعن الشرخ الذي قسم النفس أشلاء، وجعل فيها فراغا.. كما انه دليل على الانحسارية، والنكوص الذي يسببه الحاجز الجدار.
إن حدة التوتر، وتوهج الحدث الدرامي يزيدها الجدال، والحوار ما بين الشخصية والجدار.. بين الذات والمطلق، بين التناقض المطلق/ المقيد، الفقدان/ الضياع... إنه مشهد ينبني عليه الخطاب القصصي كله.
5- الحلم وصدمة الواقع:
تنفتح رؤية( الفيزا) عن عالم النيت، وكيف تبنى فيه الأحلام الكاذبة، والمشاهد الخداعة. فننتقل عبر الحلم، وعبر الصورة المثالية/ الخيالية... فنقف على كيفية تشكل الفراغ ، والبطالة والفقر في هذه العوالم الخيالية، والتي تصطدم بالواقع.. واقع مرير، وهو أن خواء النفس والروح وفراغهما صعب جدا... يجعلنا نشعر بغربة دائمة.
6- الغيرة واضطراب السلوك:
تبتدئ هذه الرؤية( خجل) بحوار ثنائي بين الشخصيتين الرئيسيتين، من خلاله نتبين الواقع المزري للمرأة الموظفة، وتشتتها ما بين التوليف بين واجباتها وما بين الغيرة، والشك.
صراع نفسي بين الهوة التي تعانيها الموظفة في سلوكياتها، ونفسيتها، والتي تشكل لها اضطرابات نفسية، وربما يؤدي إلى إفساد علاقاتها الإنسانية كلها.
7- الفنطازيا والتجنيح إلى ما وراء الحلم:
إن( تمرد ظل) رؤية تبين الحميمية التي بين الجسد وظله أو خياله. حميمية أحيانا تذهب إلى حد المنافرة والمناقضة.. إنه ترابط أبدي تؤسسه القيم، والمواقف، والاتجاهات.
8- الوهم/ المجهول ومرارة الواقع:
تعج هذه الرؤية( سراب) بالمفارقات، والتناقضات، حيث تدفع الحاجة والفاقة إلى البحث عن الرزق أينما كان... وتبدأ الرحلة إلى عالم مجهول لا متناهي، تبدأ فيه الرحلة ولا تنتهي.
9- تيمة الشمال/ الجنوب وتضارب القيم:
تنفتح هذه الرؤية في ( هروب عروسة) على عودة إلى الوطن الأم، وقد حمل الراوي/ الشخصية بكلبة رافقته السفر ليأخذها إلى البلد حيث طالها الإهمال، والتهميش، لتهرب في الأخير إلى مكان غير معروف..
ومن خلال تمفصلات هذه القصة، يبين لنا الكاتب تضارب القيم وكيف يتدخل المجتمع وعرفه في هذه القيم. كما يبين لنا نظرة الشمال والجنوب للحيوان، وكيف يعامل الحيوان والإنسان في كالتا المنطقتين.
10- وهم المساواة والنقد الساخر:
في هذه الرؤية( صديقي الرئيس)، تستند على حلم، ووهم قلما يتحقق. إذ الراوي يحكي عن تفاصيل زيارة لا كالمعتاد.. حيث يجد نفسه وجها لوجه أمام الرئيس. فيجلس إليه،ويشرب معه القهوة ويحادثه في بعض شؤون البلد،وفي بعض الأمور السياسية.
هذه الرؤية لا تخلو من نقد ساخر ولاذع في نفس الوقت. أي أن هذا ما يجب أن يكون.. وهو أن ينزل الحكام والمسؤولون إلى الشارع كما كان يفعل الخلفاء الراشدون، ليقفوا على أحوال الرعية، ويستمعوا للمواطن والوقوف على همومه ومشاكله. وهذا ما يحاول طرحه الكاتب.. وهو نزول المسؤولين من بروجهم العاجية إلى حيث يوجد عامة الشعب. كما يرسل رسالة مفادها: لم كل هذه البروتوكولات.. أليس هؤلاء الحكام من الشعب الذي لا يفكر إلا في خبزه وعيشه اليومي؟..
11- الزمان وأثره النفسي على الذات:
تيمة الزمان في ( الغريبة) حيث التخطي لمرحلة إلى مرحلة تصدم الذات لتغيير الذي يحصل لها... سفر عبر النفس المضطربة إلى رحلة نهائية. كيف يخلق الشيب زعزعة في النفس، ويبدأ الصراع، وذلك من خلال الأسئلة: كيف يمكن التخلص من الشيب؟.. وهنا تبدأ المحاولات لإيقاف الزمن. ولكن لا احد يستطيع ذلك. ومن هنا ينبهنا الكاتب عبر الشخوص والحدث إلى مبدأ الجبرية، وهو أن الإنسان مجبر في هذا الكون، لا يمكنه التصدي للزمان وتقلباته.
12- التسامح وعلاقة الآخر:
تنفتح الرؤية في ( عتمة) على الفهم الخاطئ، والتهم الباطلة التي يقذف بها شخص ما. فتحوله في رمشة عين إلى عدو وقاتل يخشى جانبه. فالكاتب/ الراوي يذكرنا بأمر خطير مس الدول الإسلامية بعد أحداث 11 شتمبر، وهو إلصاق تهمة الإرهاب بالمسلمين والعرب أينما كانوا.. والقراءة الخاطئة التي تقرأ بها أفعالهم وحركاتهم وسلوكاتهم... إنها دعوة خفية إلى نبذ العنصرية والظلم، ونشر التسامح، والتعايش واستخدام العقل والمنطق:<< وفي الغد تصدر الخبر الصحف، معلنا اختطاف أمريكي أسود جاء لاستطلاع أحوال المهاجرين، وبعد عراكه مع الخاطفين، اندلعت النيران وماتوا جميعا... والتحقيقات جارية !!..>>.
13- يقظة الضمير، وعودة الوعي الجمعي:
الرؤية في ( وعادت الذاكرة) رؤية تهتم بالصراع العربي الإسرائيلي، وتذكر بأحقية الشعب الفلسطيني في المقاومة والجهاد، والدفاع عن النفس، وحقها في استرجاع أرضها السليبة.
كما نلحظ الإشارة إلى وعي ضمير الأمة بالخطر الذي يهددها وهو محاولة القوى الأمبريالية مسح الذاكرة العربية من كل قضاياها المقدسة. .. وهي إشارة واضحة إلى الانتفاضة الأولى والثانية. وما اشتعال انتفاضة أطفال الحجارة إلا تذكير بالقضية التي يكاد الكثير نسيانها... إنها الصحوة/ السوط الذي يلهب ظهرنا ، ويدعونا إلى عدم التفريط في قضايانا الوطنية والعربية.
14- الرجوع والعودة ، والهوية والأصل:
في ( سأعود... ولكن للأبد) يشتغل الكاتب على نفس التيمة السابقة، وهي الصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي، حيث يركز من خلال السرد والحدث على مشكل اللاجئين، والاستيطان والترحيل، والتهجير الممنهج، ومعاناة الفلسطيني للعودة من هذا التشتت. فالعودة تعني له الأرض والهوية، والاستقرار، والأمن.
كما يرسل رسالة، وهي: أن الأمر الآن يستدعي الحوار، والتعايش بعيدا عن الحرب والمعارك، وإراقة الدماء: << وقف أمام الباب الرئيسي للبيت. مد يده للجرس، وانتظر. وفتح الباب شيخ تجاوز الستين من عمره. نحيف الجسم(...) سلم عليه وقدم نفسه بعزة وهمة عالية: اسمي فايز. أنا فلسطيني.. وهذه الدار داري... أخرجت منها وعائلتي، وأجبرنا على الرحيل. أنا الآن في بيروت لاجئ... ولكنني سأعود... جئت اليوم لأتفقد بيتي وأرضي... هل تأذن لي بالدخول؟>>.
15- الضمير والغربة النفسية:
إن الرؤيا في ( صفاء الروح) تبين الصدمة التي تعانيها الذات أمام صوت الضمير، وهل يمكن لنا أن نعيش يدون ضمير.
إن هذا الوازع الأخلاقي أو الضمير إذا ما انعدم تغيرت سلوكياتنا واعوجت. ولذا هو المراقب والمقوم لهذا الاعوجاج.
16- صراع الثنائيات: الخير/ الشر، والحق/ الباطل:
يلعب الكاتب/ الراوي في ( الصلصال) على تيمة التناقض، والتقابل، حيث يقابل بين الضدين ليبين للقارئ فداحة الفكرة وخطورة الحدث..فيطابق بين الحق والباطل، وبين الخير والشر، وبين الفضيلة والرذيلة، مكونا بذلك ثنائيات، وأزواج تدل على الصراع القائم في المجتمع، وفي الذات الإنسانية..
17- السلطة والنفوذ والقوة والرمز:
في هذه الرؤيا( الذباب) يرمي الكاتب/ الراوي بثقله في هذا الحدث، حيث يبين كيف يعامل العربي المسلم والإفريقي في المطارات الغربية بعد أحداث 11 شتمبر.
النظرة إليه على انه وجه إرهاب.. ثم من خلال هذه التيمة الشمال/ الجنوب يطرح مجموعة من القضايا، وهي الاهتمام الأمريكي بإفريقيا السوداء، وبشمالها( المغرب العربي) لما تختزنه من ثورات.
إن الكاتب/ الراوي يصدمنا بحقيقة مرة، هو أن إنسانية الإنسان، أو الإنسان كإنسان لم يعد ينظر إليه كما كان سابقا... بل ينظر إليه كمستهلك.. كسوق.. يجب أن تستنزف ثرواته، وتسلب إرادته... ويصبح تابعا ومواليا..
18- الصراع العربي/ الإسرائيلي:
في وحدة( عطر الخلود) يركز الراوي/ الكاتب على تيمة الصراع العربي الإسرائيلي، وبالذات الغزو الإسرائيلي للجنوب اللبناني، وهزيمتهم في هذا السباق نحو تقسيم المنطقة... سباق غير متكافئ عرف كيف يخرج منه اللبنانيون منتصرين ...
19- حرب الخليج:
في ( صراع السندبادين) يهتم الكاتب/ الراوي بالصراع العربي/ الأمريكي الامبريالي بالخليج العربي..وبالصراع العراقي / الإيراني... فيصور لنا التكالب على بلاد الرافدين، وتأجج سمائها وأرضها بجحافل الطامعين في نهب هذه الأرض.. وفي خضم الصراع يصطدم السندبادان المغامران البري والبحري...
20- الفقر/ الغنى، واستنزاف الثروات:
في هذه الرؤيا( جزيرة الأيتام)، يلعب الراوي/ الكاتب على المقارنة بين فئات المجتمع، ويندد بالطبقية فيه كما نددت به الاشتراكية التقدمية، ويبين كيف تستغل فئة ثروات البلاد، والأغلبية الساحقة من الشعب تموت.
كما انه ينبهنا إلى العلاقة شمال/ جنوب، حيث الشمال الغني والجنوب الفقير. وهذا ذكاء من الكاتب/ الراوي الذي يشير بطريقة غير مباشرة إلى علاقة التأثير والتأثر الحاصلة بين الطرفين، حيث تؤثر الإغراءات الحياتية الموجودة في الشمال على سكان الجنوب. حتى أن بعض المظاهر السلوكية، والحقوقية تكون دافعا وإغراء ومثيرا للهجرة إلى الشمال.
ولتبيان المفارقات بين الشمال والجنوب، يورد الكاتب/ الراوي كيفية معاملة الشمال للحيوان، والموازنة بين هذا الحيوان الشمالي والإنسان الجنوبي، والتي تجعل الإنسان الجنوبي يتمنى لو كان حيوانا في الشمال...
هذه الموازنات والمقارنات التي تقوم على إيديولوجيات خطيرة، لا يهمها إلا النفعية والمصالح.
ومن خلال هذه الرؤى مجتمعة، يمكن أن نحدد الأفكار التي انطوت عليها هذه المجموعة القصصية. فنجدها لا تتجاوز خمسا من التيمات يؤثث عليها فضاءه القصصي، ويتخذها حاملا فنيا لها. وهي:
1- الصراع النفسي والهوية.
2- الرمز والسلطة والواقع.
3- الثنائيات( شمال/ جنوب- غنى/فقر- هدم/ بناء- أو الزوجيات.
4- التسجيلية والتغيرات التي عرفها العالم.
5- القضية الفلسطينية أو الصراع العربي/ الإسرائيلي.
إن قصص الحاج بونيف واقعية، ومصدرها واقعي، ولكنها ليست واقعية صرفة:<< ومن المعروف أن التركيز على الدلالة الاجتماعية للأدب كان من أهدافه تحديد وظيفة له وحمل الأدباء على اتخاذه سلاحا في خدمة ما يلتزمون به من مبادئ. فضلا عن أن هذه المبادئ كثيرا ما تتحدد مسبقا ليصبح العمل الأدبي مجرد قالب تصب فيه تلك المبادئ والتوجيهات>>(2).
ونجد سحرا في قصصه ينم عن جهد إبداعي ذاتي. فهو : << لا يكتب إيديولوجيا، بل يعكس بشكل لا مباشر جملة من التناقضات الاجتماعية تحت تأثير إيديولوجيا معينة>>(3). وحرصه على الدلالة الواقعية الاجتماعية لا تقتل جمالية النص، ما دام التخييل الأدبي يساهم بدوره في العملية الإبداعية.
5- الزمان في قصص الحاج بونيف:
إن السرد القصصي يتنامى، ويتصاعد وفق انسياب زمني معين. يأخذ القصة إلى النهاية التي يتصورها الكاتب. إلا أن هذا لا يكون دائما في البناء القصصي. فالأحداث قد تبتعد كثيرا أو قليلا عن سياق السرد. فقد تعود إلى الوراء لاسترجاع بعض الأحداث السابقة، أو تتجه إلى الأمام لاستشراف ما هو آت من الأحداث.
ويرى الباحث حسن بحراوي : << أننا في كلتا الحالتين نكون أمام مفارقة زمنية توقف استرسال الحكي المتنامي، وتفسح المجال أمام نوع من الذهاب والغياب على محور سرد استذكاري Récit analeptique
يتشكل من مقاطع استرجاعية تحيلنا على أحداث تخرج عن حاضر النص، وتارة نكون أمام سرد استشرافي Récit proleptique يعرض الأحداث التي لم يطلها التحقق بعد، أي مجرد تطلعات سابقة لأوانها(4).
وعندما نذكر الزمان، ومحدداتهن نجده في الخطاب الحكائي ينقسم إلى زمن القصة، وزمن الخطاب، وزمن النص، وحركتي السرد في علاقتهما بزاوية السرد. والمقصود بحركتي السرد هما: السرد في الصيرورة الزمنية، وفي وتيرته من حيث البطء والسرعة. أما المقصود بزاوية السرد فهي وجهة نظر الراوي.(5)
وهذه القص القصيرة/ المتن تتشكل من بداية ومقاطع( جسد) و نهاية. وهي تبتدئ مقدماتها في غالبيتها بفعل ماض، وتنتهي به:
1- القصة: المعطف
- البداية: راح في سباق عميق.
- النهاية: لم تحتمل الزوجة الصدمة فانهارت في البيت. أسرعوا بها ولكنها فارقت في المشفى.
2- القصة: الفيزا
- البداية: أدمت الجلوس إلى كرسي النيت.
- النهاية:هربت الابتسامة من كريم....
3- القصة: صديقي الرئيس.
- البداية: هبت نسمات عليلات.
- النهاية: ولعنت المردود الذي فعل فعلته وقلدني رتبة صديق الرئيس.
4- القصة:سأعود.. ولكن للأبد.
- البداية: وصلت قدمنا أخيرا أرض حيفا
- النهاية: شعر اليهوديان بالغربة وحدثا بعضهما وأقنعا بعضهما أن لا بد من الرحيل.
5- القصة: الذباب.
- البداية: حين عزمت على العودة وجدت ما يشدني
- النهاية: أشرت عليهم بعدم فتح مناقصات لان المنافسة ستغرق سوقهم.
وهناك قصص تبدأ بنفي للزمان الحاضر واستغراق في الزمان الماضي، وتنتهي بزمن ماض، مثل:
1- القصة: صفاء الروح.
- البداية: لم يأب مفارقتي.
- النهاية: اشترط علي ألا أغضب... فوافقت.
2- القصة: جزيرة الأيتام.
- البداية: لم نكن على نفس الأنهج نسير ونتسوق.
- النهاية: وعدت إلى جزيرتي أحمل ذكريات سيئة.
وإذا أردنا استنطاق هذا الزمن الماضي عن طريق الإحصاء، سنجد أن الفعل الماضي يشكل نسبة كبيرة. والجدول التالي يوضح ذلك:
القصة
عدد الفعل الماضي
النسبة %
عدد الفعل المضارع
النسبة%
عفوا الرقم خطأ
49
55.05
40
44.95
الوصية
37
28.24
94
71.76
المعطف
51
57.30
38
43.30
جدارية
47
44.33
59
55.67
الفيزا
24
40.67
35
51.33
خجل
32
59.25
22
40.75
تمرد ظل
53
56.25
40
43.02
سراب
46
58.22
33
41.78
هروب عروسة
117
53.12
103
46.82
صديقي الرئيس
81
69.82
35
30.18
الغريبة
58
61.70
36
38.30
عتمة
39
39.79
59
60.21
وعادت الذاكرة
29
27.61
76
72.39
سأعود ولكن للأبد
80
76.92
24
23.08
صفاء الروح
71
58.19
51
41.81
الصلصال
68
59.64
46
40.36
بوبليشا
60
58.25
43
41.75
الذباب
55
47.00
62
53.00
عطر الخلود
21
33.33
42
66.67
صراع السندبادين
33
37.07
56
62.93
جزيرة الأيتام
67
47.18
75
52.82
المجموع
55.91
44.09
هكذا نجد أن الفعل الماضي هو الفعل الخاص بالسرد، ومرجعيته تعود إلى تاريخية السرد الشفوي منذ القديم. ف<< عامة النصوص السردية التقليدية تقع في الماضي إذا كان الراوية في مألوف الأطوار إنما يحكي ما وقع للشخصية أو للشخصيات في الزمن الماضي أساسا، وذلك على الرغم من أن بعض الأحداث قد يقع في الحاضر، وبعضها الآخر ربما سيقع في المستقبل>>(6).
وإذا ما تلاشى الفعل الماضي وقل عدده في بعض القصص، وعلت نسبة الفعل المضارع، فإنما هذا يتطلبه زمن الحكي المرتبط بالسرد، وحبكته، وبنيته. وهذا التلاشي للزمن الماضي شكلي فقط. لان الإطار العام الذي يعرض فيه الفعل المضارع هو إطار ماضوي.. وان الأسلوب المعتمد على الحوار والتداعي يتطلب هذا التلاشي للماضي، ولكن عندما نجد مثل هذه الجمل موظفة( كانت الطائرات تظهر- لم يكن الشيخ يلقي بالا- لم تكن تصغي- لم أتعبك- لم تطق أن تحدثني- لم تبحث عنك- راح صاحبي يوصيني..) فإننا نوقن بأن الزمان الموظف ، والذي تدل صياغته على المضارعة، فإن دلالته السياقية تدل على الماضوية... والنماذج التي أوردناها تدل على انعدامية الحاضر الملغى، وان الماضي هو المقصود بالسرد خاصة إذا عرفنا أن زمان القصص وزمن الخطاب متوازيان. وبالتالي يتعطل الزمن السردي.
والحاج بونيف استعمل في بعض قصصه القصيرة بعض الكلمات للدلالة على زمن الاستقبال، مثل( سوف) و( السين): << ستنبت- سيجعل- سيرده- ستكون- سيتبعه- ستكونين- ستقبضين- سألتحق- ستغادر- سنشتاق- ستحمل- سأنقلها- سأريك- سوف أنسيكهما- سأقول- سأكون- سيحضر- سأعود>>. والذي يمثل الانتقال عبر اللحظة المكانية والزمانية لفعل الوعي الصادر عن الشخصية/ الكاتب.
وفكرة الزمان تتبدى حقيقة من خلال إضمارها في روح الحاضر، حتى عندما يتحدث الكاتب أحيانا بصيغة المضارع التي يوظفها في خدمة الماضي.
وهذه الأشكال الزمنية، هي نوع من كسر المألوف، وكسر مألوفية المروي في القصص، عن طريق كسر مألوفية التعبير، الشيء الذي يطيل إدراك القارئ لقصص الحاج بونيف، يعيش عملية الصنعة الخيالية النصوص في أولها وآخرها.
وهذا التنوع الزماني يساهم كذلك في إسراع معدل انسياب الحدث القصصي(7).
6- الفضاء المكاني( أو الفضاء الجغرافي) في قصص الحاج بونيف:
يعتبر المكان لبنة هامة في البناء الفني القصصي، حيث يساعدنا امتداده وتوسعه، وتنوعه على فهم الشخوص التي يؤثث بها الكاتب هذا الفضاء القصصي. ويساعدنا أيضا على فهم وضعها الاجتماعي، وتكوينها السياسي والإيديولوجي المعرفي(8).
فالفضاء المكاني:<< لا يتشكل إلا غبر رؤية ما، بل ويمكن القول بأن الحديث عن المكان(...) هو حديث محور عن رؤية ذلك المكان وزاوية النظر التي يتخذها الراوي عند مباشرته له. فالرؤية التي ستقودنا نحو معرفة المكان وتملكه من حيث هو صورة تنعكس في ذهن الراوي، ويدركها وعيه قبل أن يعرضها علينا في خطابه>>(9).
ويرى احد الباحثين:<< أن المكان هو الذي يؤسس الحكي لأنه يجعل القصة المتخيلة، ذات مظهر مماثل لمظهر الحقيقة>>(10).
وقد ربط الناقد( تاديي) بين الفضاء المكاني والنص، و<< رأى أن النص هو فضاء،وان الفضاء هو المكان الوحيد الذي تلتقي فيه كل العلامات والرموز الدالة، وهو الذي يساهم في توليد الأحداث وتقديمها للقارئ/ المتلقي>>(11).
والحاج بونيف يقدم إشارات جغرافية،والتي تكون وسيلة من وسائل تحريك خيال المتلقي لإدراك منهجية المكان المراد عرضها داخل العمل القصصي.
وهكذا نرى نوعا من التجاذب، والتلاؤم بين الشخصية الراوي والمكان، وتنوعاته الدلالية، حيث يتقلب المكان في هذا التجاذب ما بين المغلق والمفتوح، << المغلق لا تكون العلاقات محدودة والشخوص كذلك. كما نوعية الهموم المشتركة، كمثال البيت، في حين أن المفتوح تتوسع فيه دائرة الروابط الاجتماعية، وتتعدد بداخله الاهتمامات والقضايا والمصائر الإنسانية>>(12).
والكاتب يوظف نوعين من الفضاء المكاني:
- الفضاء المكاني المباشر.
- الفضاء المكاني غير المباشر.
كما يتنوع هذا الفضاء بين المنفتح والمنغلق.
إن طريقة تقديم الفضاء تعكس وضعية وحالة الشاغل لهذا الفضاء، وذلك عن طريق:<<قيم رمزية مرتبطة سواء بالمناظر الطبيعية التي تتقدم لنظرة الراوي، أو بشخوصه أو بأماكن الإقامة: المنزل، الغرفة، الكهف، الهري، السجن، القبر، أماكن مغلقة أو مفتوحة، ضيقة أو رحبة، مركزية أو هامشية... تعارضات تطلق العنان لمتخيل الكاتب والقارئ>>(13).
ويمكن أن تكون القصة قصة مكان، حيث يلعب فيها دورا أساسيا، ومن هنا << كان فضاء" العتبة"le seuil عند دوستويفسكي، كما لاحظ ذلك باختين، يعكس نفسية شخوص الرواية القلقة: فهو يتمثل في المدخل والممر والدرج والأبواب المفتوحة على الشارع والحانات، والأكواخ، والقناطر، والخنادق مما له ارتباط وثيق بزمن الأزمة>>(14).
ويمكن للفضاء أن يكون حاملا لدلالة جديدة تنبع من صميم التحولات التي يعرفها المجتمع، وفي فضاءاته المكانية، نجد الحاج بونيف يصور السلوك ، أي : <<كان يلجأ إلى التصوير السردي>>(15).
7- الفضاء المكاني المباشر:
عندما نستجلي القصص القصيرة التي أمامنا نجد إشارات واضحة لهذا المكان، والتي هي على الشكل التالي:<< ضفتي النهر- الأجزاء الجنوبية للمعمورة- الأرض- أحيائها- المكان- الأحراش- الأودية- المستنقعات- الروابي- الفلوات- قمم الجبال- المغارات- الكهوف- الدهاليز- كنوز- الشواطئ- لجج المحيطات والبحار- الأجواء الفسيحة- عقر داره- الكنائس- المعابد- المئذنة- الناطحات- البالونات- الخواء- الأعماق- الأرض- الباب....>>.
8- البنية اللغوية في قصص الحاج بونيف:
يتميز الخطاب القصصي عند الكاتب الحاج بونيف بتعدد أساليبه، وأحادية لغته،وهو يدمج لغة الفئات الاجتماعية الأخرى تحت لغة واحدة ليعطيها نوعا من التعبيرية المركزية،والمتحدة الأصول، ليوحد هذا التعدد اللساني في صورة واحدة، تبين شساعة الوعي الفني في القصص القصيرة، والتعايش الصلب المتنوع.
فالكاتب يعيد إنتاج خطاب بكيفية فصيحة رصينة لا يخلو من أدبية، يعكس به رؤيته للعالم، ولزواياه المختلفة.
ورغم ذلك فهو أحيانا يعدد لغاته، مكونا منها نصا متماسكا كنسيج موسيقي بوليفوني يقوم على:<< تقابل مجموعة من الألحان المتزامنة والمتشابكة والمتعارضة، لكل لحن منها كيانه الإيقاعي والنغمي المميز له، وبالرغم من هذا التشابك والتعارض، فهي تكون فيما بينها وحدة فنية مترابطة>>(16).
ويستحضر الخطاب القصصي في مجموعة( سأعود غدا... ولكن للأبد)، عددا من اللغات والأساليب. وأول مظاهر التعدد اللغوي في المجموعة، يتمثل في العتاقة اللغوية l’archaïsme linguistique:<< في استحضار لأساليب وألفاظ وتراكيب عتيقة، ومحاورة أجناس أدبية وغير أدبية قديمة، كالملحمة، والحكاية الشعبية، والمقامة، والأمثال، والحكم، ولغة الشعراء والمتصوفين، ولغة الكتب الدينية والتاريخية، والجغرافية، وكتب الرحلات بالإضافة إلى لغة التقارير الصحفية، ولغة الجدل السياسي، ومناقشات المثقفين، ولغة الشعب الدارجة واللغة العسكرية>>(17).
فعندما نلاحظ هذه الجملة<< استوى الزمن عندها فلا الليل للسبات ن ولا النهار للمعاش.. الشمس اختفت والكواكب اندثرت>>، فإننا نقف أولا على تناص عن طريق تركيب لغتها مع آيتين كريمتين( وجعلنا النهار معاشا والليل سباتا)و( إذا الشمس كورت، وإذا النجوم انكدرت، وإذا الجبال سيرت، وإذا العشار عطلت وإذا الوحوش حشرت..>>، ويتبين لنا امتزاج لغتين داخل هذا الملفوظ: لغة النص القرآني، مع اللغة العادية بالإضافة إلى ظهور موقف التأكيد، والجزم والقطع.
وتأتي محاكاة الكاتب الحاج بونيف للنصوص القرآنية على أشكال مختلفة. فهي مرة تأتي على شكل نماذج تذكرنا بنصوص قرآنية، كأن يورد آية كاملة أو بعض كلماتها، كما في قوله:<< وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى>> أو بعض كلماتها: << جاء الحق وزهق الباطل>>.
وتارة أخرى يأتي بصياغة لغوية تناظر الصيغة القرآنية، كما في قوله:<< همست في أذنك ذات يوم حين خلوت معك. إن كان تحتك كنز فدلني عليه، فضحكت. وذكرتني بسورة الكهف، وجدار اليتيمين>>.
إن هذه الفقرة فيها تناص مع قصة موسى عليه السلام والرجل الصالح( الخضر)، وكذلك في ( فالطيور الأبابيل من هناك تقذفهم براجماتها) تناص مع سورة الفيل. وكذلك قوله:<< سبحان محيي الأموات>>، وفيها تناص مع الآية الكريمة<< سبحان من يحيي العظام وهي رميم>>. أو يحتفظ بجملة كاملة من النص القرآني، ويضمنها في خطابه القصصي، كما في الأمثلة السابقة<< وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى>>.
ومن مظاهر العتاقة اللغوية توظيف الحاج بونيف للشعر العربي، كما في قوله:<< جاحظتان في مراقبة،<<عيون المها تجلب له الهوى من حيث يدري ولا يدري>>، وفيها تناص وتقاطع مع قصيدة علي بن الجهم، و معروف الرصافي ( عيون المها) حيث يقول:
عيون المها بين الرصافة والجسر* جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
وقول بونيف:<< هزت جسدها النحيل المطمور بأسمال بالية،وضمت الرضيع إلى صدر حنون>>، وهذا يتقاطع مع قول معروف الرصافي في قصيدته ( الأرملة المرضعة) .
وكذلك توظيف الفلسفة والفكر الإسلاميين، حيث الحديث عن العقل والجوهر الفرد، والذات الإلهية، والإشراق النوراني، مثل قوله:<< صرت الآن أميز بين الأحياء، مناطق من العالم تشع منها أنوار، ومناطق أخرى يلفها الظلام الحالك الذي يظهرها، وكأنها قطعة من الفحم الحجري. وسألته عن هذه الأجسام التي تظهر مشتعلة ويسبقها تطاير شظاياها حتى تكاد تحرق الكل.. ولكنها تخفف أو تحرق كلما اقترب منها جسم منير؟. ذاك هو الصراع بين الخير والشر، بين الحق والباطل، بين الفضيلة والرذيلة.. ازددت رسوخا في هذه المعلومة، ورخت أرى الأجسام النارية على كثرتها تخترق ويزول أثرها، أمام الأجسام المشعة التي بدت لي قليلة في هذا السفلي>>.
وهذا فيه استحضار لنصوص وأفكار الفلاسفة المسلمين والفلسفة الإشراقية.
كما يستحضر الحاج بونيف جنسا حكائيا عربيا قديما، هو ( ألف ليلة وليلة) ليبني من خلاله ذلك التقابل بين فضاءين: الفضاء العجائبي لألف ليلة وليلة من خلال: مدينة بغداد وشط العرب، والفضاء الحقيقي لمدينة بغداد، والكرخ وغيرها من المدن العراقية. ويستعين بشخصيتين عربيتين تراثيتين قديمتين.. كالسندباد البري والسندباد البحري، ليبين هول الكارثة بأرض العراق، وشط العرب.
واستحضار الكاتب لهذه العتاقة اللغوية دليل على تكوينه الإسلامي، وتشربه المبادئ الإسلامية، وتأثره بالفكر السلفي الإصلاحي الذي ساد الجزائر إبان الاحتلال الفرنسي، وبعيد الاستقلال، والتأثير الذي تركه الجو الثقافي الإسلامي في نفسه.. وتأثير فكر مالك بن نبي في الجيل الجزائري المعاصر.
كما أن هذه التوظيفات يريد الحاج من خلالها لفت انتباه القارئ/ المتلقي إلى الرسالة التي يتضمنها خطابه القصصي، ومن خلال ذلك – أيضا- : << يظهر الدور الذي يلعبه النص القرآني في مجتمع النصوص العربية. وهي ظاهرة تنفرد بها الثقافة العربية، وتؤثر في حركته عملية تشابك العلاقات التناصية فيها. فلا تعرف الثقافات الأخرى مثل هذا النص المثال: النصر المسيطر، النص المطلق، النص المقدس<< علاقة أوديبية>>(18).
وقد حول الكاتب بونيف النصوص القرآنية إلى لغة ترسيخ، وتأكيد، وتقوية، وحجاج للمواقف التي يعبر عنها، ويضمنها قصصه القصيرة، ويعززها بها.
وعندما نقارن بين التركيب الداخلي للمتن القصصي، وصيغة المحكي فيها، فإننا نستخرج الملاحظات التالية:
1- اعتماد الكاتب الخطاب غير المباشر: ( قالت- قال- قيل...). والذي تكرر في القصص التالية على النحو التالي:
- عفوا. الرقم خطأ....مرة واحدة.
- الوصية= 14 مرة.
- المعطف= 11 مرة.
- جدارية= 9 مرات.
- الفيزا= 3 مرات.
- الصلصال= 4 مرات.
- عطر الخلود= 00
- خجل= 7 مرات.
- تمرد ظل= 10 مرات.
- سراب= 2 مرتين.
- هروب عروسة= 4 مرات.
- صفاء الروح= 3 مرات.
- بوبليشا= مرة واحدة .
- صراع السندبادين= 00 مرة.
- صديقي الرئيس= 11 مرة.
- الغريبة= 00
- عتمة= 7 مرات.
- وعادت الذاكرة= 4 مرات.
- سأعود ولكن للأبد= 5 مرات.
- الذباب= 3 مرات.
- جزيرة الأيتام= 8 مرات
9- حضور الخطاب المباشر وغير المباشر الحر:
وقد اعتمد الكاتب الحاج بونيف هذا الأسلوب لينفي حضور الراوي، وعدم ظهوره في العمل الأدبي(19)، وليضع مسافة بينه وبين الحكي.
وإلى جانب هذه اللغات المتعددة:<< يمكن رصد تعدد لغوي على مستوى آخر، هو مستوى تعدد أصوات الشخوص، بما تعكسه كل شخصية حسب موقعها ووعيها>>(20).
ويمكن تقسيم صوت الراوي في المجموعة إلى:
1- صوت يندد بحال المجتمع الجزائري، كما في القصة( المعطف- جدارية- سراب- صديقي الرئيس)
2- صوت يندد بحال الواقع العربي، كما في( الوصية- الغريبة- عتمة- وعادت الذاكرة- سأعود، ولكن للأبد- بوبليشا- الذباب- عطر الخلود- صراع السندبادين- جزيرة الأيتام).
3- صوت ذاتي تأملي، كما في ( خجل- الفيزا- عفوا الرقم خطأ- تمرد ظل- هروب عروسة- صفاء الروح- الصلصال).
وقد استخدم الحاج الأسلوب الحر غير المباشر في قصصه، حيث مزج بين ضمير المتكلم والغائب، ليعبر من خلالها عن إدراكات الشخصية الفاعلة للعالم الخارجي، بشكل مباشر، كما تحدث في الوعي.
وهو بهذه الطريقة يتجنب التقرير غير المباشر للإدراكات، فيستطيع أن يصوغ بالألفاظ الإدراكات دون أن ينطوي ذلك على أن الشخصية نفسها قد صاغتها:<< قلت من الأليق أن تؤلف جمعية إصلاحية تنادي بتحرري وانعتا قي من هذا السجن الذي تراه أيها العبد>>.
<< لم يبق على موعد سفري- أنا وهي- سوى سويعات لذلك راح صاحبي يوصيني بها خيرا في التعامل وفي الأكل والنوم.. أكثرت من الإيماء برأسي، أن نعم على كل الذي قال. وطمأنته أني سأنزلها المكانة التي تستحق>>.
هذه الحوارات، وهذه الطريقة في السرد القصصي، تجعلنا نستنتج أن الحاج بونيف يمتاز بثورة أسلوبية في كتاباته، حيث نجد جملا قصيرة جدا..
وتتميز قصص الحاج بونيف بمعجمها الأنيق، والفصيح، والبعيد عن الحشو، وغريب اللفظ، ووحشيه. فهو يعتني باللفظ وبالكلمة التي تؤدي وظيفتها في السياق القصصي داخل فضاء مكاني وزماني.. وهذا يعطي لقصص بونيف جمالية سردية، وفنية في الخطاب والحكي.
وسرد الحاج ، يمتاز ببساطته، وخفته، وانسيابيته، وشاعريته.. وهذه البساطة تدفع الحاج إلى عدم الاهتمام ببلاغة اللغة وبديعها:<< راح في سبات عميق، ولم يوقظه سوى الانفجار الهائل حين اصطدم القطاران...
نزل مع النازلين، وركض إلى المكان المتضرر من الحادث.. رأسا القطارين كأنهما في عناق...
بعض الأشلاء تطايرت فبعثت مسحة من الكآبة على المكان، وهرع المسافرون يسعفون الجرحى...>> .
ومن ثم فهو لا يشتغل على اللغة، ولكن على الإبلاغ باللغة. فتصبح قصصه تمتاز: << بطغيان ما هو إبلاغي على ما هو تخييلي>>، ورغم ذلك لا تخلو قصص الحاج من تجريبية، وتنويع في القوالب، وعكس للرؤى والصيغ الخطابية، والأدبية.<< فالقارئ لا يقف على اشتغالات اللغة، ولا على ما يحرفها عن دلالاتها المعجمية، إلى ما هو استعاري، وكنائي، وإلى ما يخصب فعالية التأويل، وتعدد مقاصد القص>>(21).
<<أدمن الجلوس إلى كرسي النت.. هربت منه الساعات الثمينة التي يتسكع فيها في شوارع المدينة باحثا عن اللاشيء.. عيناه زائغتان، يكتفي اكتحالهما بالسلع المعروضة.. وجاحظتان في مراقبة" عيون المها تجلب له الهوى من حيث يدري ولا يدري".
يدلف ...تداعب أنامله لوحة التحكم، ويستسلم لدردشة يحضر فيها صوتها، وتعمل مخيلته على رسم ليلاه بفستانها الأبيض الطويل تجرجره ومن خلفها تلتقطه الحسناوات مبتسمات>>.(الفيزا).
كما نجد في قصصه نوعا من المناجاة، أو تيار الوعي، وهي نوع من السرد الذاتي، الذي لا يحتاج فيه إلى مستمع يشاركه حالته الشعورية.. فنجده يحاور ذاته بصوت مسموع كأنه يوجه إلينا الخطاب:<< جاء دوري، تقدمت وبصمت. فجأة.. هناك من يرمقني ويطيل النظر إلى كتفي.. اشعر بامتعاض.. أتلمس كتفي.. تنتقل عيناه إلى الكتف الآخر.. أتلمسه. تجمدت عيناه بكتفي وتجمدت في مكاني.. يمد يده إلى سماعة الهاتف: ألو.. هوليود... إن ما تبحثون عنه وصل. عددهم أربعة.. نعم دون حاملها.
فرحت.. هوليود... إذن سأقوم بدور ما في السينما.. التفت.. لكن ما حكاية الأربعة، فأنا وحيد ، ليس هناك غيري.. هناك خلل ما .. حجزوني لأكثر من ساعة.. أبواق إنذار تنطلق من سيارة تصل إلى المكان...>>(الذباب).
وتيار الوعي هذا، اعتبر – كما عند وليام جيمس- تعبيرا مجازا للدلالة على التدفق الذهني، واتصاله مع تغيره المستمر.
واعتبر- أيضا- بأنه اندماج كل ما عانيناه وما نعانيه من تجارب، وكل فكرة هي جزء من وعي شخص، وكل فكرة هي أيضا فريدة في نوعها ودائمة التغيير: << إن التجربة تعيد تكيفنا كل لحظة، وأن ارتكاسنا العقلي في كل أمر معين هو في الواقع حاصل تجربتنا الحياتية للعالم بأسره، حتى هذه اللحظة>>( 22).
فالحاج بونيف يصب تجربته الفنية بكل مكوناتها في قصصه. بأسلوب لا يشعرنا فيه انه يستعرض وجهة نظر سياسية أو حياتية.. ولكن يمررها عبر الحدث، والسرد، ومواقف الشخوص.
وهو قبل كل شيء، يعرف خصوصية القصة القصيرة، ويعرف- كمثقف- أن نسيجها اللغوي هو المتن القصصي الذي يشمل الحوار والسرد، والحدث، ويشكل الشخصيات، ويتنامى بها. ولذا هو يعمل على التصرف في هذا النسيج، والتلوين فيه.. فنجده يكتفي بالحدث والموقف، وأحيانا بالحوار والسرد، وأحيانا يدمجها كلها.. ليصعد من درامية الحدث، وصراعه.
لذا جاءت لغته في القصص بالغة التكثيف، والتركيز والاقتصاد. وبذلك هو يذكرنا بطريقة غير مباشرة من خلال القصص القصيرة إلى تنظير الشكلانيين الروس فيما يخص الخصائص البنائية للقصة القصيرة، والتي تتحدد في:
- وحدة الأثر: أي ما تتركه القصة القصيرة من انطباع.
- لحظة الأزمنة، وهي اللحظة التي يتكاثف فيها التوتر، وينطوي عليها الاكتشاف( التتابع السببي والمنطقي).
- اتساق التصميم وارتباط الأحداث بعضها ببعض.. أي الترابط المنطقي.
10- التناص في قصص الحاج بونيف:
المتتبع لهذه القصص القصيرة، يجد أن هناك مجموعة من النصوص تتداخل مع هذه النصوص القصصية، التي تتحول على فسيفساء متناسقة الألوان. وهذا ما يسمى ب: التناص . وهو : << مصطلح يحمل مجموعة من المفاهيم ترتبط بالإحالة والاقتباس والاستشهاد، والنص الغائب>>(23).
هذه التناصات مرتبطة بعلاقات ترابطات لغوية بالنصوص القصصية، الشيء الذي يجعل كتابة الحاج بونيف كتابة متميزة، حيث أصبحت هذه التناصات مدمجة فيها. وهذا أعطاها نوعا من الإدماجية، وأصبحت منصهرة مع الأصل. واستكشافها يتطلب قراءة متأنية.
وعبر العناوين القصصية، وامتداداتها الزمنية، تتراءى لنا مجموعة من التناصات أو النصوص الغائبة، والتي تتراوح بين التراث القديم والحديث: تحيلنا على نصوص من القرآن والحديث والأمثال، حيث تدخل فيها هذه النصوص القرائية في علاقة تناصية مع نصوص القرآن( النص الديني المقدس).
وحتى نقف عليها وعلى دلالاتها التناصية، وعلاقاتها داخل المتن القصصي لحاج بونيف، لا بد من رصد كيفية ورودها لمعرفة الوظيفة التي تقوم بها داخل الحكي القصصي.
والنصوص القصصية تدخل مع هذه التناصات في حوار تبادلي، وهذا يجعل الملفوظ:<< في النص قد لا يكون ذا قيمة دلالية تذكر، إذا وضعناه في سياقه العام. لكن النص بطريقة تركيبية، وصياغته يوحي بأشياء كثيرة عن طريق الإحالة على نمط من الكتابة تنتمي إلى ذهنية معروفة، وعصر معروف. إذ معلوم أن: << اللغة تحمل في طياتها بإيديولوجية العصر>>(24).
هكذا نجد كاتبنا وظف التناص توظيفا جيدا ، أعطى للمواقف والأحداث أبعادا ، وإيحاءات عميقة وسعت دائرة الدلالة ، واستدعت تداعيات لا متناهية. ولا نجد فيها تنافرا بين هذه النصوص، بل مزجها الكاتب بفنية وجعلها : << تتعايش، وتتجاوز وتتحاور، وتتصادم في إطار وحدة النص>>(25).
وهذا كله يقدم لنا صورة عن طريق تعامل الحاج بونيف مع اللغة...و << ما يخفيه تركيب هذه اللغة وتشكيلها عبر الصور من مسكوت عنه أو مكبوت سواء في مجال وعي الكاتب أو لا وعيه>>(26). ومن هنا يوصل الكاتب المضمون الحدثي للقصص عبر منظور أحادي، وبضمير المتكلم.
وعندما نستعرض هذه القصص ، نجد التناصات التالية:
1- التناص مع عناوين روايات أخرى: عندما نقرا العنوان( الذباب)، نجدها تتقاطع مع عنوان رواية/ المسرحية( الذباب) لجان بول سارتر، التي تنغمس في العبث والوجودية.. والموت واللامعقول...
كما نجد قصة( المعطف) كعنوان يتقاطع مع عنوان( المعطف) لحسني الناسئ، وقصة( المعطف) لبيرتولد بريخت، و( المعطف) لنيكولاي جوجول..
2- التناص مع النص القرآني: وظف النص القرآني في قصصه القصيرة كتناص، فنجده يقول في( عفوا.. الرقم خطأ):<< استوى الزمن عندها فلا الليل للسبات، ولا النهار للمعاش، الشمس اختفت، والكواكب اندثرت>>، وهذا نجد فيه تناصا مع آيتين كريمتين:<< وجعلنا النهار معاشا والليل سباتا>>، و << إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت، وإذا الجبال سيرت...>>..
وفي قصة( جدارية) نقرأ:<< ذكرتني بسورة الكهف وجدار اليتيمين>>، وهي تتقاطع مع سورة الكهف، وقصة موسى عليه السلام، والرجل الصالح( الخضر)، وقصتهما مع اليتيمين اللذان أصلحا لهما الجدار الذي تحته كنز لهما.
كما أن الحاج يوظف الأمثال العربية ، كما في قوله:<< إنهم غرسوا وها نحن أولاء نغرس>>، وهذا يتقاطع مع المثل العربي<< غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلون>>، وقوله:<< وسيف الزمن حاد>>، وهذا فيه تناص مع المثل العربي:<< الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك>>.
كما يوظف تناصات لبعض الأمور السياسية التي عاشها عصرنا الحديث. ففي قصته ( وعادت الذاكرة) نجد فيها تناصات يتقاطع مع الأحداث التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، والتي تتعلق بمفاوضات السلام، وحرب لبنان، وغزو الجنوب اللبناني، والانتفاضة، والمقاومة الباسلة.
كما نجده في قصة( السندبادين) يوظف تناصا يتقاطع مع بعض القضايا العالمية التي شغلت الرأي العام الدولي أواخر الخمسينيات و الستينيات ، وهي قضية( خليج الخنازير) والتي كانت ستؤدي إلى حرب بين كوبا والولايات المتحدة الأمريكية في عهد جون كنيدي.
كما نجد التناص يتقاطع مع الشعر العربي: << عيناه زائغتان، يكتفي اكتحالهما بالسلع المعروضة، وجاحظتان في مراقبة" عيون المها تجلب له الهوى من حيث يدري ولا يدري>>. وفيه تناص مع بيت من الشعر العربي لعلي بن الجهم والذي عارضه معروف الرصافي:
عيون المها بين الرصافة والجسر/ / جلبن الهوى من حيث أدري ولا ادري
وكما نجد في قصة( سراب) قوله:<< هزت جسدها النحيل المطمور بأسمال بالية، وضمت الرضيع إلى صدر حنون>>. وهذا يحيلنا إلى قصيدة معروف الرصافي( الأرملة المرضعة) التي يقول فيها:
لقيتها ليتني ما كنت ألقاها/// تمشي وقد أثقل الإملاق ممشاها
أثوابها رثة والرجل حافية//// والدمع تذرفه في الخد عيناها
تمشي بأطمارها والبرد يلسعها///كأنه عقرب شالت زبانها
تمشي وتحمل باليسرى وليدتها///حملا على الصدر مدعوما بيمناها
11- الشخوص في قصص الحاج بونيف:
الشخصية أساسية في الخطاب القصصي، وركن ضروري فيه. إذ تعمل على تماسك وحداتهن وبنائه السردي. ومن لسانها وحركاتها وأفعالها وسلوكاتها، يتشكل الحدث والعقد والحل، والنص القصصي كله، وتتشكل الرؤية الفنية والجمالية للعمل القصصي.
وهي:<< محض خيال يبدعه المؤلف لغاية فنية وجمالية يرسمها في مخيلته>>(27).
والبطل في القص هو الكاتب نفسه الحاج بونيف. ولذلك نجد ( الأنا) تتصاعد، وتتنامى في مضامين النصوص. حيث تمثلها ( ت) التاء المتحركة الخاصة بالمتكلم المفرد، وكذلك همزة المضارعة. وهذا الضمير المتكلم يتدخل بطريقة مباشرة في سياق أحداث القصة، ويساهم في تطورية السرد، وتوالي الحكائية.
كما أن الحاج يستخدم ضمير المتكلم في أسلوب المونولوج المروي، وبالتالي نجح في تمثل عقل الشخصيات وإدراكها. كما أن الضمير المنفصل( أنا) الذي يستخدمه الحاج بونيف على لسان بعض شخوصه، يبين مدى اندماج الحاج مع موضوع الوعي، حيث يشعر بشعور الشخصية ومشاعرها في جمل تابعة بعد أفعال توضح التحليل الداخلي لهذه الشخصية/ الكاتب.
والشخصية تعبر عن وعي منعكس حيث تندمج الإدراكات للعالم الخارجي مع أفكار منعكسة من الداخل في عقل الشخصية:<< لعلك لم تكن تصغي إلي، إذ حدثتك أخيرا عن إمكانية غيابي، ربما لأيام . لقد قلت لك حينئذ أنني ذاهب لطلب فيزا>>.<< اغتنمت فرصة موافقتها وأسرعت لوسيط ليحضر من حدثني عنها منذ يومين>>.<< وأنا أتأمل نملة تسحب حبة قمح لا زالت متمسكة بسنبلتها، افتقدته، فلم أستطع التنقل عبر الشارع الطويل من دونه>>.
<< استأنست بعودته، بدا لي أكثر سوادا، فلم أشأ أن أحدثه>>.<< راودتني فكرة رفضها مرارا، ولكن منعني حيائي من رفض الهدية>>.<< لأنها مقبلة معي على أيام قد لا أجد فيها ما أناوله أنا>>. << هبت نسمات عليلات فأحسست بالانتعاش، والانتشاءـ داعبتني سنة وشعرت بثقل جفوني، فأغمضت عيني>>.
<< فما أشعر إلا وأنا المتسكع الوحيد في أنهجها التي لا تعرف أحدا يهدر وقته الثمين سواي. فالكل ينتهز ساعاته إلا أنا أراها تنتهزني في حلي وفي سفري>>.
فهذه الجمل بكاملها،وغيرها في النصوص القصصية، تعبير واضح عن إدراك الشخصية/ المتكلم، حيث تتركب من مجموعة من المفردات التي تنقل المعنى الحكمي أو المعرفي لشخصية، وهي تمثل الصفات والأفعال والمصادر.
وهذا كله يوظفه ليشد الانتباه إلى مكون الحدث الأساسي، ويجعل القارئ يشارك في بناء الحدث، ويدفع به إلى أن يتقمص الشخصية.
كما أن هذه المصادر والصفات والأفعال من خلالها ندري مدى وعي الشخصية/ المتكلم بالحدث، وكحدث ومسايرتها في النسيج السردي والحكائي... كذلك نستنتج منها تقييما شموليا لها، ونتعرف على نسبة التقدير عندها، ومدى رأيها فيما يدور حولها.
والشخصية المتكلم أو الكاتب Le sujet parlant من خلال حواراته، ومناجاته النفسية، وتداعياته، ومواقفه، عبر أحداث القصص ، تظهر لنا شخصيته التي نجدها ساخطة أحيانا، منددة أحيانا أخرى، مصلحة. وقد تفوق الحاج بونيف في النفاذ لأعمق الحقائق الاجتماعية والنفسية والانفعالية عن حياة أبطاله.
ولغة الشخوص يحولها الحاج بونيف إلى لغة جميلة ذات فنية. تنبض بالحياة، والواقعية. الشيء الذي يعطي للغة في قصصه بعدا جماليا ودلاليا جديدا. وهذا عنصر من عناصر الأداء القصصي عنده.
وشخصيات القصص على قلتها، وبساطتها ن تتميز بثرائها الإنساني، ووضوح مشاعرها ومضامينها الفكرية، وجميعها حقيقية أو أشبه بالحقيقية من عامة الناس ومن قلب الأحداث اليومية.
وهذه الشخصيات التي تتفاعل داخل فضاءات مكانية مختلفة مغلقة، منعدمة في بعضها الأوصاف الخارجية المحددة لسماتها، وملامحها، حيث إن الحاج بونيف لم يعطنا وصفا فيزيولوجيا واحدا لبعض الشخصيات، ما عدا وصفا عارضا:<< عروقها لا تكف عن النبض، وطعم الحياة فيها مالح كالعرق تماما(...) هامتها تعانق السحب عناقها الأزلي، وأضلاعها تضم ضفتي النهر فيخاصرها في عناق طويل>>.<<أجده ممدا ينظر إلى السماء بعينين غائرتين، وقد سال دم من رأسه الأشيب فغطى لحيته البيضاء، احتضنته بين يدي، ورحت أزيل ما علق بجسمه النحيل من أوحال وأتربة وأوراق أشجار متناثرة>>.<< كانت شابة لطيفة المظهر، بشعر بني انسدل ليغطي كامل جسدها البض، وليزيد قوامها الرشيق أناقة وجمالا>>.
وشخصيات قصص الحاج بونيف ، نجدها كالتالي:
- شخصيات محركة للحدث( وهي الرئيسة) ، الكاتب/ الراوي( السارد).
- الشخصيات التزيينية/ الهلامية... والتي تظهر طافية.. لا دور لها في سياق الأحداث.
- الموقف. وهو الحدث المتولد عن المواقف والأحداث.
وتمتاز هذه الشخصيات في بعض القصص بالتناقض في إحساساتها ومواقفها، وسلبيتها، وضعفها وخنوعها واستهتاراتها، واستسلامها. تحس في أعماقها بالقهر اللاإنساني. ومن هنا يتولد الموقف الذي تنبع منه دراما الحدث كما في قصة ( الذباب – الوصية- فيزا- خجل- تمرد ظل- سراب- صديقي الرئيس- الغريبة- عتمة- صفاء الروح- بوبليشا- جزيرة الأيتام).
هوامش الفصل الثاني
1- د. حمداوي،( جميل)، صورة العنوان في الرواية العربية، من موقع إلكتروني.
2- مخلوف،(عمر)،المرجع السابق،ص: 10)
3- المرجع نفسه، ص: 12.
4- اصميدي، ( عبد الرحيم)، قراءة في رواية " محاولة عيش" لمحمد زفزاف، دار التجهيز، ط1، يناير 2006، الدار البيضاء، ص: 17
5- الزوهري، ( عبد الهادي)، تحليل الخطاب في حكاية الأطفال، مطبعة فيديبرانت، ط1،2003، ص: 52
6- المرجع نفسه، ص: 52
7- داني، ( محمد)، تقنية القصة القصيرة في " حديث رجل يحب الوطن" لمحمد صوف، الملحق الثقافي للميثاق الوطني، الأحد 11 أبريل 1993 .
-8- د. عبد الرحمن يونس، (محمد)، مدخل إلى مفهوم المكان في النص الحكائي( موقع الأنترنيت).
9- د. بحراوي، ( حسن)، بنية الشكل الروائي، المركز الثقافي العربي، بيروت/ الدار البيضاء، ط1، 1990، ص: 29.
10- د. لحمداني، ( حميد)، بنية النص السردي من منظور النقد الادبي، المركز الثقافي العربي،بيروت/ الدار البيضاء، ط1، آب 1991، ص: 65.
11- اصميدي، ( عبد الرحيم)، المرجع السابق، ص،15.
12- صدوق، ( نور الدين)، الغرب في الرواية العربية: قنديل ام هاشم نموذجا، دار الثقافة، الدار البيضاء، ط1 1995، ص: 69.
13- Mitterand,(Henri) ;Le discours du roman, P.U.F,ecriture,Paris,1980,pp :192-193
14- العافية، ( محمد)،الخطاب الروائي عند إميل حبيبي،مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط1، 1997، ص: 173.
15- المرجع نفسه، ص: 186
16- عبد الكريم، (عواطف)، تعدد التصويت في الموسيقى، مجلة فصول، العدد الثاني، يناير 1985، ص: 100
17- العافية، ( محمد)، المرجع نفسه، ص: 112
18- د. حافظ، ( صبري)، التناص وإشاريات العمل الادبي، عيون مقالات، العدد2، 1986، ص: 97
19- قاسم، ( سيزا)، بناء الرواية، دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت، ط1، 1985، ص: 180
20- العافية، ( محمد)، المرجع السابق، ص: 135
21- د. نضال،( صالح)، القصة السورية في سوريا: قص التسعينيات، منشورات اتحاد كتاب العرب، دمشق 2005، ص: 130
22- مطر تميمي، ( قاسم)، علم النفس وأثره في القصة الحديثة- موقع إلكتروني
23- العافية ، ( محمد)، المرجع نفسه، ص: 72
24- المرجع نفسه، ص: 79
25- المرجع نفسه، ص: 84
26- المرجع نفسه، ص: 85
27- اصميدي، ( عبد الرحيم)، المرجع السابق، ص:
![](http://3.bp.blogspot.com/_MsaNQZtvB5E/StANnrMWRCI/AAAAAAAAAKY/WmvDsGT-YfA/S45/normal_HNH_9244-sapa0207.jpg)